أي الله أعلم بأمركم، وكأنه حصل لهم نوع تردد في كثرة نومهم، فالله أعلم، ثم عدلوا إلى الأهم في أمرهم إذ ذاك، وهو احتياجهم إلى الطعام والشراب، فقالوا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ﴾ أي فضتكم هذه، وذلك أنهم كانوا قد استصحبوا معهم دراهم من منازلهم لحاجتهم إليها، فتصدقوا منها وبقي منها، فلهذا قالوا: ﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ أي مدينتكم التي خرجتم منها، والألف واللام للعهد.
﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً﴾ أي أطيب طعاما. كقوله: ﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً﴾ [النور: ٣١] وقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى﴾ [الأعلى: ١٤] ومنه الزكاة التي تطيب المال وتطهره، وقيل: أكثر طعاما، ومنه زكا الزرع إذا كثر، قال الشاعر:
[الطويل] قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة … والسّبع أزكى من ثلاث وأطيب (١)
والصحيح الأول، لأن مقصودهم إنما هو الطيب الحلال سواء كان كثيرا أو قليلا. وقوله ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ أي في خروجه وذهابه وشرائه وإيابه، يقولون: وليختف كل ما يقدر عليه ﴿وَلا يُشْعِرَنَّ﴾ أي ولا يعلمن ﴿بِكُمْ أَحَداً إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ﴾ أي إن علموا بمكانكم ﴿يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ﴾ يعنون أصحاب دقيانوس يخافون منهم أن يطلعوا على مكانهم، فلا يزالون يعذبونهم بأنواع العذاب إلى أن يعيدوهم في ملتهم التي هم عليها، أو يموتوا، وإن وافقتموهم على العود في الدين فلا فلاح لكم في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال: ﴿وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً﴾.
يقول تعالى: ﴿وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ أي أطلعنا عليهم الناس ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها﴾ ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة. وقال عكرمة: كان منهم طائفة قد قالوا تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد، فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك، وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة في شراء لهم ليأكلوه، تنكر وخرج يمشي في غير الجادة حتى انتهى
(١) يروى البيت: قبائلنا سبع وأنتم ثلاثة والسّبع خير من ثلاث وأكثر وهو للقتال الكلابي في ديوانه ص ٥٠، والإنصاف ٢/ ٧٧٢، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٣٧٠، والكتاب ٣/ ٥٦٥، والبيت برواية ابن كثير بلا نسبة في تفسير الطبري ٨/ ٢٠٤.