للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقتادة وابن جريج وغيرهم. وقال عكرمة عن ابن عباس: ليس أحد يسمى الرحمن غيره وتقدس اسمه.

[[سورة مريم (١٩): الآيات ٦٦ إلى ٧٠]]

﴿وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦) أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً (٦٧) فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (٦٨) ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا (٦٩) ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلى بِها صِلِيًّا (٧٠)

يخبر تعالى عن الإنسان أنه يتعجب ويستبعد إعادته بعد موته، كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنّا تُراباً أَإِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ [الرعد: ٥] وقال: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ﴾ [يس: ٧٧ - ٧٩] وقال هاهنا:

﴿وَيَقُولُ الْإِنْسانُ أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً﴾ يستدل تعالى بالبداءة على الإعادة، يعني أنه تعالى قد خلق الإنسان ولم يك شيئا، أفلا يعيده وقد صار شيئا، كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧] وفي الصحيح «يقول الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له أن يكذبني، وآذاني ابن آدم ولم يكن له أن يؤذيني، أما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليّ من آخره، وأما أذاه إياي فقوله إن لي ولدا وأنا الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد» (١).

وقوله: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ﴾ أقسم الرب بنفسه الكريمة أنه لا بد أن يحشرهم جميعا وشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله ﴿ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا﴾ قال العوفي عن ابن عباس: يعني قعودا كقوله: ﴿وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً﴾ [الجاثية: ٢٨] وقال السدي في قوله جثيا: يعني قياما، وروي عن مرة عن ابن مسعود مثله. وقوله: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ يعني من كل أمة، قال مجاهد ﴿أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا﴾ قال الثوري عن علي بن الأقمر عن أبي الأحوص عن ابن مسعود قال: يحبس الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعا، ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرما، وهو قوله: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا﴾.

وقال قتادة: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا﴾ قال: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشر، وكذا قال ابن جريج وغير واحد من السلف، وهذا كقوله تعالى: ﴿حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ﴾


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢، باب ٨، وسورة ١١٢، باب ١، ٢، والنسائي في الجنائز باب ١١٧، وأحمد في المسند ٢/ ٣١٧، ٣٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>