للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاء الله تعالى.

[[سورة البقرة (٢): آية ٤٧]]

﴿يا بَنِي إِسْرائِيلَ اُذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (٤٧)

يذكرهم تعالى بسالف نعمه إلى آبائهم وأسلافهم، وما كان فضلهم به من إرسال الرسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ [الدخان: ٣٢] وقال تعالى: ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾ [المائدة: ٢٠] قال أبو جعفر الرازي (١) عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ﴾ قال: بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزمان، فإن لكل زمان عالما. وروي عن مجاهد والربيع بن أنس وقتادة وإسماعيل بن أبي خالد نحو ذلك، ويجب الحمل على هذا لأن هذه الأمة أفضل منهم لقوله تعالى، خطابا لهذه الأمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ [آل عمران: ١١٠] وفي المسانيد والسنن عن معاوية بن حيدة القشيري، قال: قال رسول الله : «أنتم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله»، والأحاديث في هذا كثيرة تذكر عند قوله تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ﴾ وقيل: المراد تفضيل بنوع ما من الفضل على سائر الناس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقا، حكاه الرازي وفيه نظر. وقيل: إنهم فضلوا على سائر الأمم لاشتمال أمتهم على الأنبياء منهم، حكاه القرطبي (٢) في تفسيره، وفيه نظر، لأن العالمين عام يشمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمد بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، صلوات الله وسلامه عليه.

[[سورة البقرة (٢): آية ٤٨]]

﴿وَاِتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)

لما ذكرهم تعالى بنعمه أولا، عطف على ذلك التحذير من طول نقمه بهم يوم القيامة، فقال:

﴿وَاتَّقُوا يَوْماً﴾ يعني يوم القيامة ﴿لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً﴾ أي لا يغني أحد عن أحد، كما قال ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [الأنعام: ١٦٤]: وقال ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾ [عبس: ٣٧] وقال: ﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً﴾ [لقمان: ٣٣] فهذا أبلغ المقامات أن كلا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئا. وقوله تعالى: ﴿وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ﴾ يعني من الكافرين كما قال:

﴿فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨] وكما قال عن أهل النار ﴿فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ﴾


(١) تفسير الرازي ٣/ ٤٩.
(٢) تفسير القرطبي ١/ ٣٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>