للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعرج المستمر، وعارض كالمرض الذي يطرأ أياما ثم يزول، فهو في حال مرضه ملحق بذوي الأعذار اللازمة حتى يبرأ. ثم قال مرغبا في الجهاد وطاعة الله ورسوله:

﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ أي ينكل عن الجهاد ويقبل على المعاش ﴿يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً﴾ في الدنيا بالمذلة وفي الآخرة بالنار، والله تعالى أعلم.

[[سورة الفتح (٤٨): الآيات ١٨ إلى ١٩]]

﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً (١٨) وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٩)

يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله تحت الشجرة، وقد تقدم ذكر عدتهم وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية، قال البخاري (١): حدثنا محمود، حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن طارق أن عبد الرحمن قال: انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت: ما هذا المسجد؟ قالوا هذه الشجرة حيث بايع رسول الله بيعة الرضوان، فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته فقال سعيد: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله تحت الشجرة، قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها، فقال سعيد: إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم، فأنتم أعلم.

وقوله تعالى: ﴿فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي من الصدق والوفاء والسمع والطاعة ﴿فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ﴾ وهي الطمأنينة ﴿عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً﴾ وهو ما أجرى الله ﷿ على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، حدثنا عبيد الله بن موسى أخبرنا موسى يعني ابن عبيدة، حدثني إياس بن سلمة عن أبيه قال: بينما نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله : أيها الناس، البيعة البيعة نزل روح القدس، قال: فثرنا إلى رسول الله وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه، فذلك قول الله تعالى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾ قال: فبايع رسول الله لعثمان بإحدى يديه على الأخرى فقال الناس: هنيئا لابن عفان يطوف بالبيت ونحن هاهنا فقال رسول الله :

«لو مكث كذا وكذا سنة ما طاف حتى أطوف».


(١) كتاب المغازي باب ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>