وَالنَّصَارَى «١» وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ أَيْ وَمَا كُنَّا نَفْهَمُ مَا يَقُولُونَ لِأَنَّهُمْ ليسوا بلساننا ونحن في غفلة وشغل مع ذلك عَمَّا هُمْ فِيهِ.
وَقَوْلُهُ أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ أَيْ وَقَطَعْنَا تَعَلُّلَكُمْ أَنْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فِيمَا أُوتُوهُ كَقَوْلِهِ وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [فاطر: ٤٢] الآية، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ يَقُولُ: فَقَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ قُرْآنٌ عَظِيمٌ فِيهِ بَيَانٌ لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَهُدًى لِمَا فِي الْقُلُوبِ وَرَحْمَةٌ من الله لعباده الذين يتبعونه ويقتفون ما فيه.
وقوله تَعَالَى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها أَيْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَلَا اتَّبَعَ مَا أُرْسِلَ بِهِ وَلَا تَرَكَ غَيْرَهُ بَلْ صَدَفَ عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِ الله أي صدف النَّاسَ وَصَدَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَصَدَفَ عَنْهَا أَعْرَضَ عَنْهَا وَقَوْلُ السُّدِّيِّ هَاهُنَا فِيهِ قُوَّةٌ لِأَنَّهُ قَالَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ [الأنعام: ٢٦] وَقَالَ تَعَالَى:
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ [النَّحْلِ: ٨٨] وَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ فِيمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها أَيْ لَا آمَنُ بِهَا وَلَا عَمِلَ بِهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: ٣١- ٣٢] وغير ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِمَالِ الْكَافِرِ عَلَى التَّكْذِيبِ بِقَلْبِهِ وَتَرْكِ الْعَمَلِ بِجَوَارِحِهِ وَلَكِنَّ كلام السدي أقوى وأظهر، والله أعلم، لأن الله قَالَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْها كقوله تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ.
[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٥٨]]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (١٥٨)
يَقُولُ تَعَالَى مُتَوَعِّدًا لِلْكَافِرِينَ بِهِ والمخالفين لرسله وَالْمُكَذِّبِينَ بِآيَاتِهِ وَالصَّادِّيْنَ عَنْ سَبِيلِهِ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ وَذَلِكَ كَائِنٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها وَذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَائِنٌ مِنْ أَمَارَاتِ
(١) المصدر السابق.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute