للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القصص: ٥٨] وقوله ﴿فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾ أي فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته بياتا أي ليلا، أو هم قائلون من القيلولة وهي الاستراحة وسط النهار، وكلا الوقتين وقت غفلة ولهو، كما قال ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ [الأعراف: ٩٧ - ٩٨] وقال ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٥ - ٤٧].

وقوله ﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾ أي فما كان قولهم عند مجيء العذاب، إلا أن اعترفوا بذنوبهم وأنهم حقيقون بهذا، كقوله تعالى: ﴿وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً﴾ -إلى قوله- ﴿خامِدِينَ﴾ [الأنبياء: ١١ - ١٥].

قال ابن جرير (١): في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله من قوله «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم» (٢)، حدثنا بذلك ابن حميد، حدثنا جرير عن أبي سنان عن عبد الملك بن ميسرة الزراد، قال: قال عبد الله بن مسعود، قال رسول الله «ما هلك قوم حتى يعذروا من أنفسهم»، قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية ﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاّ أَنْ قالُوا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ﴾.

وقوله ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾ الآية. كقوله ﴿وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: ٦٥] وقوله ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾ [المائدة: ١٠٩] فيسأل الله الأمم يوم القيامة عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ رسالاته، ولهذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ قال عما بلغوا.

وقال ابن مردويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكندي، حدثنا المحاربي عن ليث عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام يسأل عن رعيته والرجل يسأل عن أهله والمرأة تسأل عن بيت زوجها والعبد يسأل عن مال سيده» (٣) قال الليث: وحدثني ابن طاوس مثله، ثم قرأ ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ وهذا الحديث مخرج في الصحيحين بدون هذه الزيادة.


(١) تفسير الطبري ٥/ ٤٢٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الملاحم باب ١٧، وأحمد في المسند ٤/ ٢٦٠، ٥/ ٢٩٣، والطبري في تفسيره ٥/ ٤٢٩.
(٣) أخرجه البخاري في الأحكام باب ١، ومسلم في الإمارة حديث ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>