قبله من الكتب المتقدمة، فهذا المقام أعلى وأجل وأعظم مكانة من سائر إخوانه من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالقرآن أشرف كتاب أنزله الله، ومحمد ﷺ أعظم نبي أرسله الله تعالى، وقد جمع الله للقرآن الصفتين معا، ففي الملأ الأعلى أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم أنزل بعد ذلك إلى الأرض منجما بحسب الوقائع والحوادث.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي أخبرنا أحمد بن سليمان حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، قال الله تعالى: ﴿وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ وقال تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً﴾.
ثم قال تعالى مخبرا عن سوء حال الكفار في معادهم يوم القيامة، وحشرهم إلى جهنم في أسوأ الحالات وأقبح الصفات ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾. وفي الصحيح عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ فقال «إن الذي أمشاه على رجليه قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة»(١) وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة وغير واحد من المفسرين.
يقول تعالى متوعدا من كذب رسوله محمدا ﷺ من مشركي قومه ومن خالفه، ومحذرهم من عقابه وأليم عذابه مما أحله بالأمم الماضية المكذبين لرسله، فبدأ بذكر موسى وأنه بعثه وجعل معه أخاه هارون وزيرا، أي نبيا موازرا ومؤيدا وناصرا، فكذبهما فرعون وجنوده ف ﴿دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها﴾ [محمد: ١٠] وكذلك فعل بقوم نوح حين كذبوا رسوله نوحا ﵇، ومن كذب برسول فقد كذب بجميع الرسل، إذ لا فرق بين رسول ورسول، ولو فرض أن الله تعالى بعث إليهم كل رسول فإنهم كانوا يكذبون، ولهذا قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَمّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ﴾ ولم يبعث إليهم إلا نوح فقط، وقد لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله ﷿، ويحذرهم نقمه.
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٥، باب ١، ومسلم في المنافقين حديث ٥٤، والترمذي في تفسير سورة ١٧، باب ١٢، وأحمد في المسند ٢/ ٣٥٤، ٣٦٣.