للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي استكمل عقله وتم خلقه ﴿آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ يعني النبوة أنه حباه بها بين أولئك الأقوام ﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ أي إنه كان محسنا في عمله عاملا بطاعة الله تعالى.

وقد اختلف في مقدار المدة التي بلغ فيها أشده، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة: ثلاث وثلاثون سنة. وعن ابن عباس: بضع وثلاثون. وقال الضحاك: عشرون، وقال الحسن:

أربعون سنة. وقال عكرمة: خمس وعشرون سنة. وقال السدي: ثلاثون سنة. وقال سعيد بن جبير: ثماني عشرة سنة. وقال الإمام مالك وربيعة بن زيد بن أسلم والشعبي: الأشد الحلم، وقيل غير ذلك، والله أعلم.

[[سورة يوسف (١٢): آية ٢٣]]

﴿وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ (٢٣)

يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان يوسف في بيتها بمصر، وقد أوصاها زوجها به وبإكرامه، فراودته عن نفسه، أي حاولته على نفسه ودعته إليها، وذلك انها أحبته حبا شديدا لجماله وحسنه وبهائه، فحملها ذلك على أن تجملت له وغلقت عليه الأبواب ودعته إلى نفسها، ﴿وَقالَتْ هَيْتَ لَكَ﴾ فامتنع من ذلك أشد الامتناع، و ﴿قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ﴾ وكانوا يطلقون الرب على السيد الكبير، أي إن بعلك ربي أحسن مثواي أي منزلي، وأحسن إلي فلا أقابله بالفاحشة في أهله ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ﴾، قال ذلك مجاهد والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم.

وقد اختلف القراء في قوله: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ فقرأه كثيرون بفتح الهاء وإسكان الياء وفتح التاء، وقال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: معناه أنها تدعوه إلى نفسها. وقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس: هيت لك، تقول هلم لك، وكذا قال زر بن حبيش وعكرمة والحسن وقتادة. قال عمرو بن عبيد عن الحسن: وهي كلمة بالسريانية، أي عليك. وقال السدي: هيت لك، أي هلم لك، وهي بالقبطية. وقال مجاهد: هي لغة عربية تدعوه بها. وقال البخاري (١): وقال عكرمة: هيت لك، أي هلم لك بالحورانية. وهكذا ذكره معلقا.

وقد أسنده الإمام جعفر بن جرير (٢): حدثني أحمد بن سهل الواسطي، حدثنا قرة بن عيسى، حدثنا النضر بن عربي الجزري عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ قال: هلم لك، قال: هي بالحورانية، وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وكان الكسائي يحكي هذه القراءة، يعني هيت لك، ويقول: هي لغة لأهل حوران وقعت إلى أهل الحجاز، ومعناها تعال. وقال أبو عبيدة: سألت شيخا عالما من أهل حوران، فذكر أنها لغتهم يعرفها، واستشهد


(١) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٢، باب ٤.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ١٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>