عباس فيما يذكر من حديث الفتى، قال: شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة، ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب، إسناده ضعيف، والحسن متروك، وأبوه غير معروف.
يقول تعالى لنبيه ﷺ ﴿وَيَسْئَلُونَكَ﴾ يا محمد ﴿عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ﴾ أي عن خبره وقد قدمنا أنه بعث كفار مكة إلى أهل الكتاب يسألون منهم ما يمتحنون به النبي ﷺ فقالوا: سلوه عن رجل طواف في الأرض، وعن فتية لا يدرى ما صنعوا، وعن الروح، فنزلت سورة الكهف، وقد أورد ابن جرير (١) هاهنا والأموي في مغازيه حديثا أسنده، وهو ضعيف، عن عقبة بن عامر أن نفرا من اليهود جاءوا يسألون النبي ﷺ عن ذي القرنين، فأخبرهم بما جاءوا له ابتداء، فكان فيما أخبرهم به أنه كان شابا من الروم، وأنه بنى الاسكندرية، وأنه علا به ملك إلى السماء وذهب به إلى السد، ورأى أقواما وجوههم مثل وجه الكلاب، وفيه طول ونكارة، ورفعه لا يصح، وأكثر ما فيه أنه من أخبار بني إسرائيل.
والعجب أن أبا زرعة الرازي مع جلالة قدره، ساقه بتمامه في كتابه دلائل النبوة، وذلك غريب منه، وفيه من النكارة أنه من الروم، وإنما الذي كان من الروم الإسكندر الثاني، وهو ابن فيلبس المقدوني الذي تؤرخ به الروم، فأما الأول فقد ذكر الأزرقي وغيره أنه طاف بالبيت مع إبراهيم الخليل ﵇ أول ما بناه وآمن به واتبعه، وكان وزيره الخضر ﵇، وأما الثاني فهو اسكندر بن فيليبس المقدوني اليوناني، وكان وزيره أرسطاطاليس الفيلسوف المشهور. والله أعلم. وهو الذي تؤرخ من مملكته ملة الروم، وقد كان قبل المسيح ﵇ بنحو ثلاثمائة سنة، فأما الأول المذكور في القرآن، فكان في زمن الخليل، كما ذكره الأزرقي وغيره، وأنه طاف مع الخليل ﵇ بالبيت العتيق لما بناه إبراهيم ﵇، وقرب إلى الله قربانا، وقد ذكرنا طرفا صالحا من أخباره في كتاب البداية والنهاية بما فيه كفاية، ولله الحمد.
وقال وهب بن منبه: كان ملكا، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين. وقال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال: سئل علي ﵁ عن ذي القرنين. فقال: كان عبدا ناصحا لله، فناصحه، دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه، فمات، فأحياه الله، فدعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فمات، فسمي ذا القرنين، وكذا