وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى﴾ أي كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة وهي النشأة الآخرة يوم القيامة ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى﴾ أي ملك عباده المال وجعله لهم قنية مقيما عندهم لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليهم، وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين، منهم أبو صالح وابن جرير وغيرهما، وعن مجاهد ﴿أَغْنى﴾ موّل ﴿وَأَقْنى﴾ أخدم، وكذا قال قتادة، وقال ابن عباس ومجاهد أيضا ﴿أَغْنى﴾ أعطى ﴿وَأَقْنى﴾ رضى.
وقيل: معناه أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه، قاله الحضرمي بن لاحق، وقيل: ﴿أَغْنى﴾ من شاء من خلقه، ﴿وَأَقْنى﴾ أي أفقر من شاء منهم، قاله ابن زيد، حكاهما ابن جرير وهما بعيدان من حيث اللفظ. وقوله: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى﴾ قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له (مرزم الجوزاء) كانت طائفة من العرب يعبدونه ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى﴾ وهم قوم هود ويقال لهم عاد بن إرم بن سام بن نوح كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر: ٦ - ٨] فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله تعالى وعلى رسوله فأهلكهم الله ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً﴾ [الحاقة: ٦ - ٧] أي متتابعة.
وقوله تعالى: ﴿وَثَمُودَ فَما أَبْقى﴾ أي دمرهم فلم يبق منهم أحدا ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ﴾ أي من قبل هؤلاء ﴿إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى﴾ أي أشد تمردا من الذين من بعدهم ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى﴾ يعني مدائن لوط قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، ولهذا قال: فغشاها ما غشى يعني من الحجارة التي أرسلها عليهم ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣] قال قتادة، كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان، فانضرم عليهم الوادي شيئا فشيئا من نار ونفط وقطران كفم الأتون. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن وهب بن عطية عن الوليد بن مسلم عن خليد عنه به، وهو غريب جدا ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ أي ففي أي نعم الله عليك أيها الإنسان تمتري؟ قاله قتادة وقال ابن جريج ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى﴾ يا محمد والأول أولى، وهو اختيار ابن جرير (١).