للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا شك، وكل ما أمر به فهو العدل الذي لا عدل سواه، وكل ما نهى عنه فباطل فإنه لا ينهى إلا عن مفسدة، كما قال تعالى: ﴿يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ [الأعراف: ١٥٧] إلى آخر الآية ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ﴾ أي ليس أحد يعقب حكمه تعالى، لا في الدنيا ولا في الآخرة ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوال عباده ﴿الْعَلِيمُ﴾ بحركاتهم وسكناتهم، الذي يجازي كل عامل بعمله.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ١١٦ إلى ١١٧]]

﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ (١١٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (١١٧)

يخبر تعالى: عن حال أكثر أهل الأرض، من بني آدم أنه الضلال، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الصافات: ٧١] وقال تعالى: ﴿وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] وهم في ضلالهم ليسوا على يقين من أمرهم، وإنما هم في ظنون كاذبة وحسبان باطل، ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاّ يَخْرُصُونَ﴾ فإن الخرص هو الحزر، ومنه خرص النخل، وهو حزر ما عليها من التمر، وذلك كله عن قدر الله ومشيئته ﴿هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ فييسره لذلك ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فييسرهم لذلك، وكل ميسر لما خلق له.

[[سورة الأنعام (٦): الآيات ١١٨ إلى ١١٩]]

﴿فَكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (١١٨) وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اِسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (١١٩)

هذا إباحة من الله، لعباده المؤمنين، أن يأكلوا من الذبائح ما ذكر عليه اسمه، ومفهومه أنه لا يباح ما لم يذكر اسم الله عليه، كما كان يستبيحه كفار قريش من أكل الميتات، وأكل ما ذبح على النصب وغيرها، ثم ندب إلى الأكل مما ذكر اسم الله عليه، فقال ﴿وَما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ أي قد بين لكم ما حرم عليكم ووضحه، قرأ بعضهم فصل بالتشديد، وقرأ آخرون بالتخفيف، والكل بمعنى البيان والوضوح.

﴿إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ أي إلا في حال الاضطرار، فإنه يباح لكم ما وجدتم، ثم بين تعالى جهالة المشركين، في آرائهم الفاسدة، من استحلالهم الميتات، وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى، فقال ﴿وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ أي هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٢٠]]

﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (١٢٠)

قال مجاهد ﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ﴾ معصية الله في السر والعلانية، وفي رواية عنه، هو ما ينوي مما هو عامل، وقال قتادة ﴿وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ﴾ أي سره وعلانيته قليله وكثيره،

<<  <  ج: ص:  >  >>