للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة الأنعام (٦) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (٩٨) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٩٩)

يَقُولُ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يَعْنِي آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً [النِّسَاءِ: ١] وَقَوْلُهُ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، والضحاك، وقتادة، والسدي، وعطاء الخراساني، وغيرهم فَمُسْتَقَرٌّ أَيْ فِي الْأَرْحَامِ، قَالُوا أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَمُسْتَوْدَعٌ أَيْ فِي الْأَصْلَابِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وطائفة عكسه، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا وَطَائِفَةٍ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الدُّنْيَا، وَمُسْتَوْدَعٌ حَيْثُ يَمُوتُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: فَمُسْتَقَرٌّ فِي الْأَرْحَامِ، وَعَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، وَحَيْثُ يَمُوتُ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ:

الْمُسْتَقَرُّ الَّذِي قَدْ مَاتَ، فَاسْتَقَرَّ بِهِ عَمَلُهُ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: وَمُسْتَوْدَعٌ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أظهر، والله أعلم «١» .

وقوله تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ أَيْ يَفْهَمُونَ ويعون كلام الله ومعناه، وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً أَيْ بقدر مباركا ورزقا للعباد وإحياء وغياثا للخلائق، رحمة من الله بخلقه فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ كقوله وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الْأَنْبِيَاءِ: ٣٠] فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً أَيْ زَرْعًا وَشَجَرًا أَخْضَرَ، ثم بعد ذلك نخلق فيه الحب والثمر، ولهذا قال تعالى: نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً أَيْ يَرْكَبُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَالسَّنَابِلِ وَنَحْوِهَا، وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ أَيْ جَمْعُ قِنْوٍ، وَهِيَ عُذُوقُ الرُّطَبِ دانِيَةٌ

أَيْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُتَنَاوَلِ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الْوَالِبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِنْوانٌ دانِيَةٌ يَعْنِي بِالْقِنْوَانِ الدَّانِيَةِ قِصَارَ النَّخْلِ اللَّاصِقَةِ عُذُوقُهَا بِالْأَرْضِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ قِنْوَانٌ، وقيس يقول قنوان «٣» ، قال امرؤ القيس: [الطويل]

فَأَثَّتْ أَعَالِيهِ وَآدَتْ أُصُولُهُ ... ومَالَ بقِنْوَانٍ مِنَ البسر أحمرا «٤»


(١) في الآثار المذكورة بنظر تفسير الطبري ٥/ ٢٨١- ٢٨٦.
(٢) تفسير الطبري ٥/ ٢٨٨.
(٣) لغة قيس بضم القاف، ولغة الحجاز بكسرها (الطبري ٥/ ٢٨٧) وفي لغة تميم وضبّة: قنيان، بالياء وضم أوله (لسان العرب ١٥/ ٢٠٥) .
(٤) كذا في رواية الطبري ٥/ ٢٨٧ وفي لسان العرب (قنو، أثث) بلفظ «فنيان» . والبيت لامرئ القيس في ديوانه ص ٥٧ وتهذيب اللغة ٩/ ٣١٥ وأساس البلاغة (أيد) وتاج العروس (أيد) .

<<  <  ج: ص:  >  >>