للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الله بن شداد، عن أم الفضل، أن رسول الله قام ليلة بمكة، فقال «هل بلغت» يقولها ثلاثا؛ فقام عمر بن الخطاب وكان أوّاها (١)، فقال: اللهم نعم، وحرصت، وجهدت، ونصحت، فاصبر؛ فقال النبي «ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه، وليخوضن رجال البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يقرءون القرآن، فيقرءونه ويعلمونه، فيقولون:

قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير منا؟ فما في أولئك من خير» قالوا: يا رسول الله، فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم، وأولئك هم وقود النار» ثم رواه من طريق موسى بن عبيد، عن محمد بن إبراهيم عن بنت الهاد عن العباس بن عبد المطلب بنحوه.

وقوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ قال الضحاك عن ابن عباس: كصنيع آل فرعون، وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد، ومنهم من يقول: كسنة آل فرعون، وكفعل آل فرعون، وكشبه آل فرعون، والألفاظ متقاربة، والدأب بالتسكين والتحريك كنهر ونهر، هو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة، كما يقال لا يزال هذا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس: [الطويل] وقوفا بها صحبي عليّ مطيّهم … يقولون لا تأسف أسى وتجمّل

كدأبك من أم الحويرث قبلها … وجارتها أم الرباب بمأسل (٢)

والمعنى كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها، والمعنى في الآية أن الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد، بل يهلكون ويعذبون كما جرى لآل فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاءوا به من آيات الله وحججه، ﴿وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ﴾ أي شديد الأخذ أليم العذاب لا يمتنع منه أحد ولا يفوته شيء، بل هو الفعال لما يريد الذي قد غلب كل شيء، وذلّ له كل شيء، لا إله غيره ولا رب سواه.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٢ إلى ١٣]]

﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ اِلْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)

يقول تعالى: قل يا محمد للكافرين ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ أي في الدنيا، ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ أي يوم القيامة ﴿إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ وقد ذكر محمد بن إسحاق بن يسار عن عاصم بن عمر بن قتادة، أن رسول الله لما أصاب من أهل بدر ما أصاب، ورجع إلى المدينة، جمع اليهود في سوق بني قينقاع، وقال «يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بما أصاب قريشا».


(١) الأوّاه: الكثير الدعاء، والرحيم الرقيق القلب. ومنه الآية: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ.
(٢) ديوان امرئ القيس ص ٩. ورواية الديوان «لا تهلك» في موضع «لا تأسف» و «كدينك» في موضع «كدأبك». والدين والدأب بمعنى. ومأسل: اسم موضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>