للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الحديد (٥٧): الآيات ١٨ إلى ١٩]]

﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١٩)

يخبر تعالى عما يثيب به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة ﴿وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ أي دفعوه بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورا، ولهذا قال: ﴿يُضاعَفُ لَهُمْ﴾ أي يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها، ويزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف، وفوق ذلك ﴿وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ أي ثواب جزيل حسن ومرجع صالح ومآب كريم. وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ هذا تمام الجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون، قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ هذه مفصولة ﴿وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ﴾ وقال أبو الضحى ﴿أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ﴾ ثم استأنف الكلام فقال: ﴿وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ وهكذا قال مسروق والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم.

وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى، ﴿أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ قال: هم ثلاثة أصناف: يعني المصدقين والصديقين والشهداء، كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحِينَ﴾ [النساء: ٦٩] ففرق بين الصديقين والشهداء فدل على أنهما صنفان ولا شك أن الصديق أعلى مقاما من الشهيد.

كما رواه الإمام مالك بن أنس في كتابه الموطأ عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: «إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما تتراؤون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم» قالوا: يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» (١) اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك به، وقال آخرون: بل المراد من قوله تعالى: ﴿أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء، حكاه ابن جرير عن مجاهد.

ثم قال ابن جرير (٢): حدثني صالح بن حرب أبو معمر، حدثنا إسماعيل بن يحيى، حدثنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن البراء بن عازب قال سمعت رسول الله يقول: «مؤمنو أمتي شهداء» قال: ثم تلا النبي هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ هذا حديث غريب. وقال أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون في قوله


(١) أخرجه الترمذي في الجنة باب ١٩، وأحمد في المسند ٣/ ٣٣٩، وأخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨، والرقاق باب ٥١، ومسلم في الجنة حديث ١١.
(٢) تفسير الطبري ١١/ ٦٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>