للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قال تعالى: ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ أي يرزق من يشاء من خلقه ويعطيه عطاء كثيرا جزيلا بلا حصر ولا تعداد في الدنيا والآخرة، كما جاء في الحديث «ابن آدم أنفق أنفق عليك» وقال النبي «أنفق بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا» وقال تعالى: ﴿وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ: ٣٩] وفي الصحيح «أن ملكين ينزلان من السماء صبيحة كل يوم فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» وفي الصحيح «يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، وما لبست فأبليت، وما تصدقت فأمضيت، وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» وفي مسند الإمام أحمد عن النبي أنه قال «الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له» (١).

[[سورة البقرة (٢): آية ٢١٣]]

﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اِخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣)

قال ابن جرير (٢): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داود، أخبرنا همام عن قتادة عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق، فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا». ورواه الحاكم في مستدركه من حديث بندار عن محمد بن بشار ثم قال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وكذا روى أبو جعفر الرازي عن أبي العالية عن أبي بن كعب أنه كان يقرؤها «كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين» وقال عبد الرزاق:

أخبرنا معمر عن قتادة في قوله ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ قال: كانوا على الهدى جميعا «فاختلفوا فبعث الله النبيين» فكان أول من بعث نوحا. وهكذا قال مجاهد، كما قال ابن عباس أولا. وقال العوفي عن ابن عباس ﴿كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً﴾ يقول: كانوا كفارا ﴿فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ﴾ والقول الأول عن ابن عباس أصح سندا ومعنى، لأن الناس كانوا على ملة آدم حتى عبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم نوحا ، فكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض.

ولهذا قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ أي من بعد ما قامت الحجج عليهم، وما حملهم على ذلك إلا البغي من بعضهم على بعض ﴿فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.


(١) أخرجه أحمد في مسنده (ج ٦ ص ٧١) من حديث عائشة ، وليس فيه عبارة «ومال من لا مال له».
(٢) تفسير الطبري ٢/ ٣٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>