إِلاّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنّا مُشْرِكِينَ﴾ (١)[الأنعام: ٢٣] ولهذا قال ﷿: ﴿كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ﴾. وقوله: ﴿ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ أي تقول لهم الملائكة هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير حق ومرحكم وأشركم وبطركم ﴿اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ أي فبئس المنزل والمقيل الذي فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه، والله أعلم.
يقول تعالى آمرا رسوله ﷺ بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه فإن الله تعالى سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة ﴿فَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ أي في الدنيا وكذلك وقع فإن الله تعالى أقر أعينهم من كبرائهم وعظمائهم أبيدوا في يوم بدر ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب في حياته ﷺ وقوله ﷿: ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ﴾ أي فنذيقهم العذاب الشديد في الآخرة.
ثم قال تعالى مسليا له: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ [النساء: ١٦٤] كما قال جل وعلا في سورة النساء سواء أي منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ﴾ وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى: ﴿وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ أي ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات إلا أن يأذن الله له في ذلك فيدل على صدقه فيما جاءهم به ﴿فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ﴾ وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين ﴿قُضِيَ بِالْحَقِّ﴾ فينجي المؤمنين، ويهلك الكافرين ولهذا قال ﷿: ﴿وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ﴾.
يقول تعالى ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ﴿فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ﴾ [يس: ٧٢]، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية، والأقطار الشاسعة والبقر تؤكل ويشرب لبنها وتحرث عليها