للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي إياس جعفر بن أبي وحشية (١): سمعت عباد بن شرحبيل الغبري قال: أصابتنا عاما مخمصة، فأتيت المدينة، فأتيت حائطا (٢)، فأخذت سنبلا ففركته وأكلته، وجعلت منه في كسائي، فجاء صاحب الحائط فضربني وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله فأخبرته، فقال للرجل «ما أطعمته إذ كان جائعا، ولا ساغيا ولا علمته إذ كان جاهلا» فأمره فرد إليه ثوبه، فأمر له بوسق من طعام أو نصف وسق، إسناد صحيح قوي جيد وله شواهد كثيرة، من ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: سئل رسول الله عن الثمر المعلق، فقال «من أصاب منه من ذي حاجة بفيه غير متخذ خبنة (٣)، فلا شيء عليه» الحديث.

وقال مقاتل بن حيان في قوله: ﴿فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾: فيما أكل من اضطرار، وبلغنا، والله أعلم. أنه لا يزاد على ثلاث لقم، وقال سعيد بن جبير: غفور لما أكل من الحرام، رحيم إذ أحل له الحرام في الاضطرار، وقال وكيع: أخبرنا الأعمش عن أبي الضحى، عن مسروق، قال: من اضطر فلم يأكل ولم يشرب ثم مات، دخل النار، وهذا يقتضي أن أكل الميتة للمضطر عزيمة لا رخصة. قال أبو الحسن الطبري المعروف بالكيا الهراسي رفيق الغزالي في الاشتغال: وهذا هو الصحيح عندنا، كالإفطار للمريض ونحو ذلك (٤).

[[سورة البقرة (٢): الآيات ١٧٤ إلى ١٧٦]]

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٤) أُولئِكَ الَّذِينَ اِشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى وَالْعَذابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النّارِ (١٧٥) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اِخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (١٧٦)

يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ﴾ يعني اليهود الذين كتموا صفة محمد في كتبهم التي بأيديهم مما تشهد له بالرسالة والنبوة، فكتموا ذلك لئلا تذهب رئاستهم وما كانوا يأخذونه من العرب من الهدايا والتحف على تعظيمهم إياهم، فخشوا-لعنهم الله-إن أظهروا ذلك أن يتبعه الناس ويتركوهم، فكتموا ذلك إبقاء على ما كان يحصل لهم من ذلك وهو نزر يسير، فباعوا أنفسهم بذلك واعتاضوا عن الهدى واتباع الحق وتصديق الرسول والإيمان بما جاء عن الله، بذلك النزر اليسير، فخابوا وخسروا في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الله أظهر لعباده صدق رسوله بما نصبه وجعله معه من الآيات الظاهرات والدلائل القاطعات، فصدقه الذين كانوا يخافون أن يتبعوه، وصاروا عونا له على قتالهم، وباءوا بغضب على غضب،


(١) في القرطبي: «حدثنا شعبة عن أبي بشر جعفر بن إياس» وقد أخرجه ابن ماجة بإسنادين.
(٢) الحائط: البستان، سمي كذلك لأنه يجعل من حوله حائط.
(٣) الخبنة: ما يحمله الإنسان في حضنه أو تحت إبطه.
(٤) انظر تفسير القرطبي ٢/ ٢٣٣ - ٢٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>