للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة لقمان (٣١): الآيات ٢٩ إلى ٣٠]]

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠)

يخبر تعالى أنه ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ﴾ يعني يأخذ منه في النهار فيطول ذاك، ويقصر هذا، وهذا يكون زمن الصيف، يطول النهار إلى الغاية، ثم يشرع في النقص فيطول الليل ويقصر النهار، وهذا يكون في الشتاء ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ قيل إلى غاية محدودة، وقيل إلى يوم القيامة، وكلا المعنيين صحيح، ويستشهد للقول الأول بحديث أبي ذر الذي في الصحيحين أن رسول الله قال «يا أبا ذر أتدري أين تذهب هذه الشمس؟» قلت: الله ورسوله أعلم. قال «فإنها تذهب فتسجد تحت العرش، ثم تستأذن ربها فيوشك أن يقال لها ارجعي من حيث جئت» (١). وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو صالح، حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس أنه قال:

الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها، فإذا غربت جرت بالليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها، قال: وكذلك القمر، إسناده صحيح.

وقوله ﴿وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ كقوله ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الحج: ٧٠] ومعنى هذا أنه تعالى الخالق العالم بجميع الأشياء، كقوله تعالى: ﴿اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: ١٢] الآية. وقوله تعالى: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ﴾ أي إنما يظهر لكم آياته لتستدلوا بها على أنه الحق، أي الموجود الحق الإله الحق، وأن كل ما سواه باطل، فإنه الغني عما سواه وكل شيء فقير إليه، لأن كل ما في السموات والأرض الجميع خلقه وعبيده، لا يقدر أحد منهم على تحريك ذرة إلا بإذنه، ولو اجتمع كل أهل الأرض على أن يخلقوا ذبابا لعجزوا عن ذلك، ولهذا قال تعالى:

﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ أي العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي هو أكبر من كل شيء، فكل خاضع حقير بالنسبة إليه.

[[سورة لقمان (٣١): الآيات ٣١ إلى ٣٢]]

﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ (٣٢)

يخبر تعالى أنه هو الذي سخر البحر لتجري فيه الفلك بأمره، أي بلطفه وتسخيره، فإنه لولا ما جعل في الماء من قوة يحمل بها السفن لما جرت، ولهذا قال ﴿لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ﴾ أي من


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٦، باب ١، وبدء الخلق باب ٤، ومسلم في الإيمان حديث ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>