للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَيَانُ «١» . وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْهُدَى: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْهُدَى: الْقُرْآنُ، وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ صَحِيحَانِ. وَقَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ أَعَمُّ. فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ أَيْ مَنْ أَقْبَلَ عَلَى مَا أَنْزَلْتُ بِهِ الْكُتُبَ وَأَرْسَلْتُ بِهِ الرُّسُلَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أَيْ فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَهُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ عَلَى مَا فَاتَهُمْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ طه قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى [طه: ١٢٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَا يَضِلُّ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى [طه: ١٢٤] كَمَا قَالَ هَاهُنَا وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ أَيْ مُخَلَّدُونَ فِيهَا لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا وَلَا مَحِيصَ وَقَدْ أَوْرَدَ ابن جرير هَاهُنَا حَدِيثًا سَاقَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ: عَنْ أَبِي مَسْلَمَةَ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْمُنْذِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ الْخُدْرِيِّ «٢» ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: «أما أهل النار الذي هُمْ أَهْلُهَا فَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ ولكن أقوام أصابتهم النار بخطاياهم «٣» فَأَمَاتَتْهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا صَارُوا فَحْمًا أُذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ» وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شعبة عن أبي مسلمة بِهِ «٤» . وَذِكْرُ هَذَا الْإِهْبَاطَ الثَّانِي لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ مَا بَعْدَهُ مِنَ الْمَعْنَى الْمُغَايِرِ لِلْأَوَّلِ، وزعم بعضهم: أنه تأكيد وتكرير، كما يقال: قُمْ قُمْ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْإِهْبَاطُ الْأَوَّلُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَالثَّانِي مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا إِلَى الْأَرْضِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَاللَّهُ أعلم.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٤٠ الى ٤١]

يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠) وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤١)

يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَمُتَابَعَةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَمُهَيِّجًا لَهُمْ بِذِكْرِ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيلَ وَهُوَ نَبِيُّ اللَّهِ يعقوب عليه السلام، وتقديره: يا بني


(١) الطبري ١/ ٢٨٤ والدر المنثور (١/ ١٢٣، عن أبي العالية- وليس فيهما لفظ «البينات» .
(٢) أخطأ ابن كثير هنا إذ قال إن الطبري ساق الحديث من طريقين. والصواب أنه ساقه بثلاثة أسانيد على النحو التالي: «حدثنا عقبة بن سنان البصري، قال: حدثنا غسان بن مضر، قال: حدثنا سعيد بن يزيد [إسناد أول]- وحدثنا سوار بن عبد الله العنبري، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا أبو مسلمة سعيد بن يزيد [إسناد ثان]- وحدثني يعقوب بن إبراهيم، وأبو بكر بن عون، قالا: حدثنا إسماعيل بن عليّة، عن سعيد بن يزيد [إسناد ثالث]- عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن الرسول. (الطبري ١/ ٢٨٦) .
(٣) في الطبري: «ولكن أقواما أصابتهم النار بخطاياهم أو بذنوبهم» إلخ.
(٤) مسلم (إيمان حديث ٣٠٦) وابن ماجة (زهد باب ٣٦) . ولم يروه من أصحاب الكتب الستة غيرهما من حديث مسلمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>