يقول تعالى: ﴿إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ﴾ أي انشقت كما قال تعالى: ﴿السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [المزمل: ١٨] ﴿وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ﴾ أي تساقطت ﴿وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: فجر الله بعضها في بعض. وقال الحسن: فجر الله بعضها في بعض فذهب ماؤها، وقال قتادة: اختلط عذبها بمالحها.
وقال الكلبي: ملئت ﴿وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ﴾ قال ابن عباس: بحثت، وقال السدي: تبعثر تحرك فيخرج من فيها ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾ أي إذا كان هذا حصل هذا. وقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ هذا تهديد لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب حيث قال الكريم حتى يقول قائلهم غره كرمه، بل المعنى في هذه الآية:
ما غرك يا ابن آدم بربك الكريم أي العظيم حتى أقدمت على معصيته وقابلته بما لا يليق. كما جاء في الحديث «يقول الله تعالى يوم القيامة يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟».
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان أن عمر سمع رجلا يقرأ ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ فقال عمر: الجهل. وقال أيضا: حدثنا عمر بن شبّه، حدثنا أبو خلف، حدثنا يحيى البكاء، سمعت ابن عمر يقول وقرأ هذه الآية ﴿يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ قال ابن عمر: غره والله جهله، قال: وروي عن ابن عباس والربيع بن خثيم والحسن مثل ذلك وقال قتادة: ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ شيء، ما غر ابن آدم غير هذا العدو الشيطان.
وقال الفضيل بن عياض: لو قال لي ما غرك بي لقلت: ستورك المرخاة. وقال أبو بكر الوراق: لو قال لي ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ لقلت: غرني كرم الكريم. قال البغوي: وقال بعض أهل الإشارة: إنما قال ﴿بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ دون سائر أسمائه وصفاته كأنه لقنه الإجابة وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس بطائل لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة وأعمال الفجور، وقد حكى البغوي عن الكلبي ومقاتل أنهما قالا: نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق ضرب النبي ﷺ ولم يعاقب في الحالة الراهنة فأنزل الله تعالى: ﴿ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾.