للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٠] الآية.

وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً﴾ أي جعلهما يتعاقبان توقيتا لعبادة عباده له ﷿، فمن فاته عمل في الليل استدركه في النهار، ومن فاته عمل في النهار استدركه في الليل، وقد جاء في الحديث الصحيح «إن الله ﷿ يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» (١).

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا أبو حره عن الحسن أن عمر بن الخطاب أطال صلاة الضحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال: إنه بقي علي من وردي شيء، فأحببت أن أتمه، أو قال أقضيه، وتلا هذه الآية ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً﴾. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية: يقول من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه بالنهار، أو من النهار أدركه بالليل، وكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير والحسن، وقال مجاهد وقتادة: خلفة، أي مختلفين، أي هذا بسواده وهذا بضيائه.

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ٦٣ إلى ٦٧]]

﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً (٦٤) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اِصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً (٦٥) إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً (٦٦) وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً (٦٧)

هذه صفات عباد الله المؤمنين ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾ أي بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار، كقوله تعالى: ﴿وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً﴾ [الإسراء: ٣٧] الآية، فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح، ولا أشر ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء، فقد كان سيد ولد آدم إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا، فقال: ما بالك أأنت مريض؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة، وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار، كما قال رسول الله «إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا، وما فاتكم فأتموا» (٢).

وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن البصري في قوله ﴿وَعِبادُ الرَّحْمنِ﴾ الآية، قال: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت منهم-والله-الأسماع والأبصار والجوارح، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، وإنهم والله أصحاء، ولكنهم دخلهم


(١) أخرجه مسلم في التوبة حديث ٣١، وأحمد في المسند ٤/ ٣٩٥، ٤٠٤.
(٢) أخرجه البخاري في الجمعة باب ١٨، ومسلم في المساجد حديث ١٥١ - ١٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>