للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أي فإن اتفق وَالِدَا الطِّفْلِ عَلَى فِطَامِهِ قَبْلَ الْحَوْلَيْنِ، وَرَأَيَا في ذلك مصلحة له، وتشاروا فِي ذَلِكَ وَأَجْمَعَا عَلَيْهِ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ انْفِرَادَ أَحَدِهِمَا بِذَلِكَ دُونَ الْآخَرِ لَا يَكْفِي، وَلَا يَجُوزُ لواحد منهما أن يستبد ذلك مِنْ غَيْرِ مُشَاوِرَةِ الْآخَرِ، قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا فِيهِ احْتِيَاطٌ لِلطِّفْلِ وَإِلْزَامٌ لِلنَّظَرِ فِي أَمْرِهِ، وَهُوَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ حَيْثُ حَجَرَ عَلَى الْوَالِدَيْنِ فِي تَرْبِيَةِ طِفْلِهِمَا، وَأَرْشَدَهُمَا إلى ما يصلحهما ويصلحه، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الطَّلَاقِ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى [الطلاق: ٦] .

وقوله تعالى: وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ أَيْ إذا اتفقت الوالدة والوالد على أن يستلم منها الولد إما لعذر منها أو العذر لَهُ، فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي بَذْلِهِ، وَلَا عَلَيْهِ فِي قَبُولِهِ مِنْهَا إِذَا سَلَّمَهَا أُجْرَتَهَا الْمَاضِيَةَ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وَاسْتَرْضَعَ لِوَلَدِهِ غَيْرَهَا بِالْأُجْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ، قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ أَيْ فَلَا يَخْفَى عليه شيء من أحوالكم وأقوالكم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٣٤]]

وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)

هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي يُتَوَفَّى عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ، أَنْ يَعْتَدِدْنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرَ لَيَالٍ، وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الزَّوْجَاتِ الْمَدْخُولَ بِهِنَّ وَغَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهِنَّ بِالْإِجْمَاعِ، وَمُسْتَنَدُهُ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا عُمُومُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَمَاتَ عنها، وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا، فَتَرَدَّدُوا إِلَيْهِ مِرَارًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ أَقُولُ فِيهَا برأيي، فإن يك صوابا فمن الله، وإن يك خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ منه: لَهَا الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَفِي لَفْظٍ: لَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا لَا وَكْسَ وَلَا شَطَطَ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، ولها الميراث، فقام معقل بن يسار الْأَشْجَعِيُّ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ فَفَرِحَ عَبْدُ اللَّهِ بِذَلِكَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهِ فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ. وَلَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ، فَإِنَّ عِدَّتَهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَلَوْ لَمْ تَمْكُثْ بَعْدَهُ سِوَى لَحْظَةٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاقِ: ٤] .

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنْ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ بِأَبْعَدِ الْأَجَلَيْنِ مِنَ الْوَضْعِ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَهَذَا مَأْخَذٌ جَيِّدٌ وَمَسْلَكٌ قَوِيٌّ، لَوْلَا مَا ثَبَتَتْ بِهِ السُّنَّةُ فِي حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ الْمُخَرَّجِ في الصحيحين «١» من غير وجه، أنها تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ وَهِيَ


(١) ينظر صحيح البخاري (طلاق باب ٣٨، ومغازي باب ١٠) وصحيح مسلم (رضاع حديث ١٢٣) وسنن أبي داود (طلاق باب ٤٧) وسنن النسائي (طلاق باب ٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>