﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ﴾ أي كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك ﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ أي من الأمم الخالية والقرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله.
وقوله ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ أي قد اختلفتم علي ﴿فَاصْبِرُوا﴾ أي انتظروا ﴿حَتّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا﴾ وبينكم أي يفصل ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾ فإنه سيجعل العاقبة للمتقين، والدمار على الكافرين.
هذا خبر من الله تعالى عما واجهت به الكفار نبيه شعيبا ومن معه من المؤمنين في توعدهم إياه ومن معه بالنفي عن القرية أو الإكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيما هم فيه، وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة.
وقوله ﴿أَوَلَوْ كُنّا كارِهِينَ﴾ يقول أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه، فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا وهذا تعبير منه عن اتباعهم ﴿وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا﴾ وهذا رد إلى المشيئة فإنه يعلم كل شيء وقد أحاط بكل شيء علما ﴿عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا﴾ أي في أمورنا ما نأتي منها وما نذر ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ﴾ أي احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ﴾ أي خير الحاكمين، فإنك العادل الذي لا يجوز أبدا.
يخبر تعالى عن شدة كفرهم وتمردهم وعتوهم وما هم فيه من الضلال وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق ولهذا أقسموا وقالوا ﴿لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ﴾ فلهذا عقبه بقوله ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ أخبر تعالى هنا أنهم أخذتهم الرجفة وذلك كما أرجفوا شعيبا وأصحابه وتوعدهم بالجلاء كما أخبر عنهم في سورة هود فقال ﴿وَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ [هود: ٩٤] والمناسبة هناك والله أعلم أنهم لما تهكموا به في