للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْحِلْمِ عِنْدَ الْجَهْلِ وَالْعَفْوِ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ وَخَضَعَ لَهُمْ عَدُوُّهُمْ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ «١» .

وقوله تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ أَيْ إِنَّ شَيْطَانَ الْإِنْسِ رُبَّمَا يَنْخَدِعُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فَأَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ فِيهِ إِذَا وَسْوَسَ إِلَّا الِاسْتِعَاذَةَ بِخَالِقِهِ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَيْكَ فَإِذَا اسْتَعَذْتَ بِاللَّهِ وَلَجَأْتَ إِلَيْهِ كَفَّهُ عَنْكَ وَرَدَّ كَيْدَهُ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» «٢» ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْمَقَامَ لَا نَظِيرَ لَهُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ عند قوله تَعَالَى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الْأَعْرَافِ: ١٩٩- ٢٠٠] وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون: ٩٧- ٩٨] .

[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٣٧ الى ٣٩]

وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ (٣٨) وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩)

يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا خَلْقَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَأَنَّهُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَيْ أَنَّهُ خَلَقَ اللَّيْلَ بِظَلَامِهِ وَالنَّهَارَ بضيائه وهما متعاقبان لا يفترقان، وَالشَّمْسَ وَنُورَهَا وَإِشْرَاقَهَا وَالْقَمَرَ وَضِيَاءَهُ وَتَقْدِيرَ مَنَازِلِهِ فِي فَلَكِهِ وَاخْتِلَافَ سَيْرِهِ فِي سَمَائِهِ لِيُعْرَفَ بِاخْتِلَافِ سَيْرِهِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ مَقَادِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْجُمَعُ وَالشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُلُولُ الْحُقُوقِ وَأَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. ثُمَّ لَمَّا كَانَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَحْسَنَ الْأَجْرَامِ الْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمَا مَخْلُوقَانِ عَبْدَانِ مِنْ عَبِيدِهِ تَحْتَ قَهْرِهِ وَتَسْخِيرِهِ فَقَالَ: لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ أَيْ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ فَمَا تَنْفَعُكُمْ عِبَادَتُكُمْ لَهُ مَعَ عِبَادَتِكُمْ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به ولهذا قال تعالى: فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا أَيْ عَنْ إِفْرَادِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يُشْرِكُوا مَعَهُ غَيْرَهُ فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ


(١) انظر تفسير الطبري ١١/ ١١٢.
(٢) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة، أخرجه أبو داود في الصلاة باب ١١٩، ١٢٠، والترمذي في المواقيت باب ٦٥، وابن ماجة في الإقامة باب ٢، والدارمي في الصلاة باب ٣٣، وأحمد في المسند ١/ ٤٠٣، ٤٠٤، ٣/ ٥٠، ٤/ ٨٠، ٨١، ٨٣، ٨٥، ٦/ ١٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>