للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرجلين من أهل الكتاب، فإذا قدما بتركته فإن صدقهما الورثة قبل قولهما، وإن اتهموهما حلفا بعد صلاة العصر، بالله ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنا ولا غيرنا، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الآية: فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر: بالله ما اشترينا بشهادتنا ثمنا قليلا، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا: بالله إن شهادة الكافرين باطلة وإنا لم نعتد، فذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً﴾ يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا ﴿فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما﴾ يقول:

من الأولياء فحلفا بالله إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد، فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء، وهكذا روى العوفي عن ابن عباس، رواهما ابن جرير، وهكذا قرر هذا الحكم على مقتضى هذه الآية غير واحد من أئمة التابعين والسلف ، وهو مذهب الإمام أحمد .

وقوله ﴿ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها﴾ أي شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين، واستريب بهما أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي. وقوله ﴿أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ﴾ أي يكون الحامل لهم على الإتيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله، والخوف من الفضيحة بين الناس إن ردت اليمين على الورثة، فيحلفون ويستحقون ما يدعون، ولهذا قال ﴿أَوْ يَخافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمانٌ بَعْدَ أَيْمانِهِمْ﴾، ثم قال ﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ أي في جميع أموركم، ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي وأطيعوا، ﴿وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ﴾ أي الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته.

[[سورة المائدة (٥): آية ١٠٩]]

﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ (١٠٩)

هذا إخبار عما يخاطب الله به المرسلين يوم القيامة عما أجيبوا به من أممهم الذين أرسلهم إليهم، كما قال تعالى: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦]، وقال تعالى: ﴿فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الحجر: ٩٢ - ٩٣]، وقول الرسل ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾، قال مجاهد والحسن البصري والسدي: إنما قالوا ذلك من هول ذلك اليوم.

قال عبد الرزاق، عن الثوري، عن الأعمش، عن مجاهد ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ فيفزعون فيقولون ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. وقال ابن جرير:

حدثنا ابن حميد، حدثنا حكام، حدثنا عنبسة قال: سمعت شيخا يقول: سمعت الحسن يقول في قوله ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ﴾ الآية، قال: من هول ذلك اليوم (١).

وقال أسباط عن السدي ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا﴾ ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول فلما سئلوا قالوا ﴿لا عِلْمَ لَنا﴾ ثم نزلوا منزلا آخر، فشهدوا


(١) تفسير الطبري ٥/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>