للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعمره (١)، وكذا قال الربيع بن أنس وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهذا القول قوي في المعنى، والسياق يدل عليه وهو قوله ﴿حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ ونظير المعنى في هذه الآية كقوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ﴾ [يونس: ٦٩ - ٧٠] وقوله ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً﴾ [لقمان: ٢٣ - ٢٤] الآية.

وقوله ﴿حَتّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ الآية، يخبر تعالى أن الملائكة إذا توفت المشركين تفزعهم عند الموت وقبض أرواحهم إلى النار يقولون لهم: أين الذين كنتم تشركون بهم في الحياة الدنيا وتدعونهم وتعبدونهم من دون الله، ادعوهم يخلصوكم مما أنتم فيه قالوا ﴿ضَلُّوا عَنّا﴾ أي ذهبوا عنا فلا نرجو نفعهم ولا خيرهم ﴿وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾ أي أقروا واعترفوا على أنفسهم ﴿أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾.

[[سورة الأعراف (٧): الآيات ٣٨ إلى ٣٩]]

﴿قالَ اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا اِدّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)

يقول تعالى مخبرا عما يقوله لهؤلاء المشركين به، المفترين عليه المكذبين بآياته ﴿اُدْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾ أي من أمثالكم وعلى صفاتكم ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ أي من الأمم السالفة الكافرة ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النّارِ﴾ يحتمل أن يكون بدلا من قوله في أمم ويحتمل أن يكون في أمم أي مع أمم، وقوله ﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها﴾ كما قال الخليل ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ﴾ [العنكبوت: ٢٥] الآية، وقوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ﴾ [البقرة: ١٦٦ - ١٦٧].

وقوله ﴿حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً﴾ أي اجتمعوا فيها كلهم ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ﴾ أي أخراهم دخولا، وهم الأتباع لأولاهم وهم المتبوعون، لأنهم أشد جرما من أتباعهم فدخلوا قبلهم فيشكوهم الأتباع إلى الله يوم القيامة لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل فيقولون ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ﴾ أي أضعف عليهم العقوبة كما قال تعالى:

﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقالُوا رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾


(١) انظر تفسير الطبري ٥/ ٤٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>