منكم، أو كما قالوا لهم فقالوا لهم: سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه، ولكم ما أنتم عليه لم نأل أنفسنا خيرا. قال: ويقال إن النفر النصارى من أهل نجران، فالله أعلم أي ذلك كان. قال: ويقال-والله أعلم-أن فيهم نزلت هذه الآيات ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ -إلى قوله- ﴿لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ﴾ قال: وسألت الزهري عن هذه الآيات فيمن نزلت؟ قال: ما زلت أسمع من علمائنا أنهن نزلن في النجاشي وأصحابه ﵃ والآيات اللاتي في سورة المائدة ﴿ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً﴾ -إلى قوله- ﴿فَاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ﴾ (١)[آل عمران: ٥٣].
يقول تعالى لرسوله ﷺ إنك يا محمد ﴿لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ أي ليس إليك ذلك، إنما عليك البلاغ، والله يهدي من يشاء، وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة، كما قال تعالى:
﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ﴾ [البقرة: ٢٧٢] وقال تعالى: ﴿وَما أَكْثَرُ النّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يوسف: ١٠٣] وهذه الآية أخص من هذا كله، فإنه قال: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أي هو أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية.
وقد ثبت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب عم رسول الله ﷺ، وقد كان يحوطه وينصره ويقوم في صفه ويحبه حبا شديدا طبعيا لا شرعيا، فلما حضرته الوفاة وحان أجله، دعاه رسول الله ﷺ إلى الإيمان والدخول في الإسلام. فسبق القدر فيه واختطف من يده، فاستمر على ما كان عليه من الكفر، ولله الحكمة التامة.
قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب عن أبيه، وهو المسيب بن حزن المخزومي ﵁ قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله ﷺ، فوجد عنده أبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله ﷺ:«يا عم قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله ﷺ: يعرضها عليه ويعودان له بتلك المقالة حتى كان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب، وأبي أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله ﷺ«والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» فأنزل الله تعالى: ﴿ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى﴾ [التوبة: ١١٣] وأنزل في أبي طالب