للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موحدين مخلصين لله مستجيبين له.

قال الله تعالى: ﴿أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا﴾ أي هؤلاء المتصفون بهذه الصفة الذين آمنوا بالكتاب الأول ثم الثاني، ولهذا قال: ﴿بِما صَبَرُوا﴾ أي على اتباع الحق، فإن تجشم مثل هذا شديد على النفوس، وقد ورد في الصحيح من حديث عامر الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله : «ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين:

رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه ثم آمن بي، وعبد مملوك أدى حق الله وحق مواليه، ورجل كانت له أمة، فأدبها فأحسن تأديبها، ثم أعتقها فتزوجها» (١). وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، حدثنا ابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم بن أبي أمامة قال: إني لتحت راحلة رسول الله يوم الفتح، فقال قولا حسنا جميلا، وقال فيما قال: «من أسلم من أهل الكتابين فله أجره مرتين وله ما لنا وعليه وما علينا ومن أسلم من المشركين فله أجره وله ما لنا وعليه ما علينا».

وقوله تعالى: ﴿وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ أي لا يقابلون السيئ بمثله، ولكن يعفون ويصفحون ﴿وَمِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ أي ومن الذي رزقهم من الحلال ينفقون على خلق الله في النفقات الواجبة لأهليهم وأقاربهم، والزكاة المفروضة والمستحبة من التطوعات وصدقات النفل والقربات. وقوله تعالى: ﴿وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ أي لا يخالطون أهله ولا يعاشرونهم، بل كما قال تعالى: ﴿وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾ [الفرقان: ٧٢] ﴿وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ﴾ أي إذا سفه عليهم سفيه وكلمهم بما لا يليق بهم الجواب عنه، أعرضوا عنه ولم يقابلوه بمثله من الكلام القبيح، ولا يصدر عنهم إلا كلام طيب، ولهذا قال عنهم إنهم قالوا ﴿لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ﴾ أي لا نريد طريق الجاهلين ولا نحبها.

قال محمد بن إسحاق في السيرة: ثم قدم على رسول الله وهو بمكة عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى حين بلغهم خبره من الحبشة، فوجدوه في المسجد، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة، فلما فرغوا من مساءلة رسول الله عما أرادوا، دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن، فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع، ثم استجابوا لله وآمنوا به وصدقوه، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره، فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش، فقالوا لهم:

خيبكم الله من ركب، بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل، فلم تطمئن مجالسكم عنده حتى فارقتم دينكم وصدقتموه فيما قال: قال: ما نعلم ركبا أحمق


(١) أخرجه البخاري في العلم باب ٣١، ومسلم في الإيمان حديث ٢٤١.
(٢) المسند ٥/ ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>