ولا يزال قائما منصورا ظاهرا على كل دين، فلهذا فتح الله لأصحابه مشارق الأرض ومغاربها، واجتازوا جميع الممالك، ودانت لهم جميع الدول، وكسروا كسرى، وقصروا قيصر وسلبوهما كنوزهما، وأنفقت في سبيل الله كما أخبرهم بذلك نبيهم عن ربهم ﷿ في قوله:
﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً، يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: ٥٥] الآية، فلهذا لما كانوا هم المؤمنين بالمسيح حقا، سلبوا النصارى بلاد الشام وألجأوهم إلى الروم فلجأوا إلى مدينتهم القسطنطينية، ولا يزال الإسلام وأهله فوقهم إلى يوم القيامة. وقد أخبر الصادق الصدوق ﷺ أمته بأن آخرهم سيفتحون القسطنطينية ويستفيئون ما فيها من الأموال، ويقتلون الروم مقتلة عظيمة جدا، لم ير الناس مثلها ولا يرون بعدها نظيرها، وقد جمعت في هذا جزءا مفردا، ولهذا قال تعالى: ﴿وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ﴾ وكذلك فعل بمن كفر بالمسيح من اليهود أو غلا فيه أو أطراه من النصارى، عذبهم في الدنيا بالقتل والسبي، وأخذ الأموال وإزالة الأيدي عن الممالك، وفي الدار الآخرة عذابهم أشد وأشق ﴿وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ﴾ [الرعد: ٣٤] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ أي في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالنصر والظفر، وفي الآخرة بالجنات العاليات ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾.
ثم قال تعالى: ﴿ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ﴾ أي هذا الذي قصصنا عليك يا محمد في أمر عيسى ومبدأ ميلاده وكيفية أمره، وهو مما قاله تعالى وأوحاه إليك ونزله عليك من اللوح المحفوظ، فلا مرية فيه ولا شك، كما قال تعالى في سورة مريم ﴿ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [مريم: ٣٤ - ٣٥] وهاهنا قال تعالى:
يقول جلا وعلا: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ﴾ في قدرة الله حيث خلقه من غير أب ﴿كَمَثَلِ آدَمَ﴾ حيث خلقه من غير أب ولا أم بل ﴿خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ فالذي خلق آدم من غير أب، قادر على أن يخلق عيسى بطريق الأولى والأحرى، وإن جاز ادعاء النبوة في