سعيد، حدثنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين، عن عبد الرحمن بن سابط، عن عمرو بن ميمون، قال: قام فينا معاذ بن جبل، فقال: يا بني أود، إني رسول رسول الله إليكم، تعلمون أن المعاد إلى الجنة أو إلى النار.
يخبر ﵎ عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر، وأنه لا يخفى عليه منهم خافية، بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان والأيام واللحظات وجميع الأوقات، وجميع ما في الأرض والسموات لا يغيب عنه مثقال ذرة، ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال، ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي وقدرته نافذة في جميع ذلك، وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم، فإنه عالم بجميع أمورهم، وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة، وإن أنظر من أنظر منهم، فإنه يمهل، ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال بعد هذا ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً﴾ الآية، يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير ومن شر، كما قال تعالى ﴿يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: ١٣] فما رأى من أعماله حسنا سره ذلك وأفرحه، وما رأى من قبيح ساءه وغاظه وود لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد، كما يقول لشيطانه الذي كان مقرونا به في الدنيا، وهو الذي جرأه على فعل السوء ﴿يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ [الزخرف: ٣٨]، ثم قال تعالى مؤكدا ومهددا ومتوعدا ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ﴾ أي يخوفكم عقابه، ثم قال ﷻ مرجيا لعباده لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه ﴿وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ﴾ قال الحسن البصري: من رأفته بهم حذرهم نفسه. وقال غيره: أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأن يتبعوا رسوله الكريم.
هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله ﷺ، أنه قال «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»(١) ولهذا قال: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ أي يحصل لكم
(١) صحيح البخاري اعتصام باب ٢٠؛ وبيوع باب ٦٠؛ وصلح باب ٥ وصحيح مسلم (أقضية حديث ١٧ و ١٨)