للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الحج (٢٢): الآيات ٦٧ إلى ٦٩]]

﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَاُدْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ (٦٧) وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٨) اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٦٩)

يخبر تعالى أنه جعل لكل قوم منسكا، قال ابن جرير (١): يعني لكل أمة نبي منسكا، قال:

وأصل المنسك في كلام العرب هو الموضع الذي يعتاده الإنسان ويتردد إليه إما لخير أو شر، قال: ولهذا سميت مناسك الحج بذلك لترداد الناس إليها وعكوفهم عليها، فإن كان كما قال من أن المراد لكل أمة نبي جعلنا منسكا، فيكون المراد بقوله فلا ينازعنك في الأمر أي هؤلاء المشركين، وإن كان المراد لكل أمة جعلنا منسكا جعلا قدريا كما قال: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها﴾ [البقرة: ١٤٨] ولهذا قال هاهنا: ﴿هُمْ ناسِكُوهُ﴾ أي فاعلوه، فالضمير هاهنا عائد على هؤلاء الذين لهم مناسك وطرائق، أي هؤلاء إنما يفعلون هذا عن قدر الله وإرادته، فلا تتأثر بمنازعتهم لك ولا يصرفك ذلك عما أنت عليه من الحق، ولهذا قال: ﴿وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ﴾ أي طريق واضح مستقيم موصل إلى المقصود، وهذا كقوله:

﴿وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ﴾ [القصص: ٨٧].

وقوله: ﴿وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾. كقوله: ﴿وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١]. وقوله: ﴿اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ تهديد شديد ووعيد أكيد، كقوله: ﴿هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ [الأحقاف: ٨] ولهذا قال: ﴿اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ وهذه كقوله تعالى: ﴿فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ﴾ [الشورى: ١٥]. الآية.

[[سورة الحج (٢٢): آية ٧٠]]

﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧٠)

يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنه محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنه تعالى علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب ذلك في كتابه اللوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله : «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» (٢).


(١) تفسير الطبري ٩/ ١٨٥.
(٢) أخرجه مسلم في القدر حديث ١٦. ولفظه: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض».

<<  <  ج: ص:  >  >>