للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن هاهنا، وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده، كما سنذكره قريبا إن شاء الله، ثم من الموجود في كتب بني إسرائيل أن هذا الرجل اسمه ثيرون، والله أعلم. قال أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود: ثيرون هو ابن أخي شعيب ، وعن أبي حمزة عن ابن عباس قال: الذي استأجر موسى يثرى صاحب مدين، رواه ابن جرير (١) به، ثم قال: الصواب أن هذا لا يدرك إلا بخبر، ولا خبر تجب به الحجة في ذلك.

وقوله تعالى: ﴿قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ أي قالت إحدى ابنتي هذا الرجل، قيل هي التي ذهبت وراء موسى ، قالت لأبيها ﴿يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ أي لرعية هذه الغنم. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد: لما قالت ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت له: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي: كوني من ورائي، فإذا اختلفت علي الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه.

وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: أفرس الناس ثلاثة: أبو بكر حين تفرس في عمر، وصاحب يوسف حين قال أكرمي مثواه، وصاحبة موسى حين قالت ﴿يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ قال ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ﴾ أي طلب إليه هذا الرجل الشيخ الكبير أن يرعى غنمه ويزوجه إحدى ابنتيه هاتين، قال شعيب الجبائي: وهما صفوريا وليا. وقال محمد بن إسحاق:

صفوريا وشرفا، ويقال ليا، وقد استدل أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية على صحة البيع فيما إذا قال بعتك أحد هذين العبدين بمائة، فقال: اشتريت، أنه يصح، والله أعلم.

وقوله: ﴿عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ﴾ أي على أن ترعى غنمي ثماني سنين، فإن تبرعت بزيادة سنتين فهو إليك، وإلا ففي الثمان كفاية ﴿وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ أي لا أشاقك ولا أؤذيك ولا أماريك، وقد استدلوا بهذه الآية الكريمة لمذهب الأوزاعي فيما إذا قال: بعتك هذا بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة أنه يصح، ويختار المشتري بأيهما أخذه صح، وحمل الحديث المروي في سنن أبي داود «من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا» (٢) على هذا المذهب، وفي الاستدلال بهذه الآية وهذا الحديث على هذا المذهب نظر ليس هذا موضع بسطه لطوله، والله أعلم.

ثم قد استدل أصحاب الإمام أحمد ومن تبعهم في صحة استئجار الأجير بالطعمة


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٦١.
(٢) أخرجه أبو داود في البيوع باب ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>