برسوله ﷺ، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل الله فيهما ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ الآية.
وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري، في قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ﴾ قال:
هو كعب بن الأشرف، وقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعرا، وكان يهجو النبي ﷺ، وفيه أنزل الله ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ إلى قوله ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾. وقال الضحاك: عن ابن عباس، أن رسولا أميا يخبرهم بما في أيديهم من الكتب والرسل والآيات، ثم يصدق بذلك كله مثل تصديقهم، ولكنهم جحدوا ذلك كفرا وحسدا وبغيا، ولذلك قال الله تعالى: ﴿كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ يقول من بعد ما أضاء لهم الحق، لم يجهلوا منه شيئا، ولكن الحسد حملهم على الجحود، فعيرهم ووبخهم ولامهم أشد الملامة، وشرع لنبيه ﷺ وللمؤمنين، ما هم عليه من التصديق والإيمان والإقرار بما أنزل الله عليهم، وما أنزل من قبلهم، بكرامته وثوابه الجزيل ومعونته لهم.
وقال الربيع بن أنس ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ من قبل أنفسهم، وقال أبو العالية ﴿مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾، من بعد ما تبين أن محمدا رسول الله، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل، فكفروا به حسدا وبغيا، إذ كان من غيرهم، وكذا قال قتادة والربيع بن أنس.
وقوله: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾، مثل قوله تعالى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً﴾ [آل عمران: ١٨٦]، قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله، ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾، نسخ ذلك قوله:
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، وقوله: ﴿قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [التوبة: ٢٩]، إلى قوله ﴿وَهُمْ صاغِرُونَ﴾ [التوبة: ٢٩]، فنسخ هذا عفوه عن المشركين، وكذا قال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة والسدي، إنها منسوخة بآية السيف، ويرشد إلى ذلك أيضا قوله تعالى: ﴿حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ﴾. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي: أخبرنا أبو اليمان أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره قال: كان رسول الله ﷺ وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى. قال الله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وكان رسول الله ﷺ، يتأول من العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم بالقتل، فقتل الله به من قتل من صناديد قريش، وهذا إسناده صحيح ولم أره في شيء من الكتب الستة، ولكن له أصل في الصحيحين عن أسامة بن زيد.