﵂ أنها كانت تغير من النساء اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله ﷺ، قالت: ألا تستحي المرأة أن تعرض نفسها بغير صداق؟ فأنزل الله ﷿ ﴿تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ﴾ الآية، قالت: إني أرى ربك يسارع لك في هواك. وقد تقدم أن البخاري رواه من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، فدل هذا على أن المراد بقوله: ﴿تُرْجِي﴾ أي تؤخر ﴿مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ﴾ أي من الواهبات ﴿وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ﴾ أي من شئت قبلتها ومن شئت رددتها، ومن رددتها فأنت فيها أيضا بالخيار بعد ذلك إن شئت عدت فيها فآويتها، ولهذا قال:
قال عامر الشعبي في قوله تعالى: ﴿تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ﴾ الآية، كن نساء وهبن أنفسهن للنبي ﷺ، فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن لم ينكحن بعده، منهن أم شريك وقال آخرون: بل المراد بقوله ﴿تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ﴾ الآية، أي من أزواجك لا حرج عليك أن تترك القسم لهن، فتقدم من شئت وتؤخر من شئت، وتجامع من شئت وتترك من شئت، هكذا يروى عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأبي رزين وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم، ومع هذا كان النبي ﷺ يقسم لهن، ولهذا ذهب طائفة من الفقهاء من الشافعية وغيرهم إلى أنه لم يكن القسم واجبا عليه ﷺ، واحتجوا بهذه الآية الكريمة.
وقال البخاري (١): حدثنا حبان بن موسى، حدثنا عبد الله هو ابن المبارك، وأخبرنا عاصم الأحول عن معاذ عن عائشة أن رسول الله ﷺ: كان يستأذن في اليوم المرأة منا بعد أن أنزلت هذه الآية ﴿تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ﴾ فقلت لها: ما كنت تقولين؟ فقالت: كنت أقول إن كان ذلك إلي فإني لا أريد يا رسول الله أن أوثر عليك أحدا.
فهذا الحديث عنها يدل على أن المراد من ذلك عدم وجود القسم، وحديثها الأول يقتضي أن الآية نزلت في الواهبات، ومن هاهنا اختار ابن جرير أن الآية عامة في الواهبات وفي النساء، اللاتي عنده أنه مخير فيهن إن شاء قسم وإن شاء لم يقسم، وهذا الذي اختاره حسن جيد قوي، وفيه جمع بين الأحاديث، ولهذا قال تعالى: ﴿ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ﴾ أي إذا علمن أن الله قد وضع عنك الحرج في القسم، فإن شئت قسمت وإن شئت لم تقسم، لا جناح عليك في أي ذلك فعلت، ثم مع هذا أن تقسم لهن اختيارا منك، لا أنه على سبيل الوجوب، فرحن بذلك واستبشرن به، وحملن جميلك في ذلك، واعترفن بمنتك عليهن في قسمتك لهن وتسويتك بينهن وإنصافك لهن وعدلك فيهن.
وقوله تعالى: ﴿وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أي من الميل إلى بعضهن دون بعض مما