للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى لِلَّذِينِ تَقَلَّقُوا وَتَضْجَّرُوا وَتَزَلْزَلُوا وَاضْطَرَبُوا فِي أَمْرِهِمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أَيْ هلا اقتديتم به وتأسيتم بشمائله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:

لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصَدِّقِينَ بِمَوْعُودِ اللَّهِ لَهُمْ وَجَعْلِهِ الْعَاقِبَةَ حَاصِلَةً لَهُمْ في الدنيا والآخرة، فقال تعالى: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَقَتَادَةُ: يَعْنُونَ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ «١» [الْبَقَرَةِ: ٢١٤] أَيْ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الِابْتِلَاءِ وَالِاخْتِبَارِ وَالِامْتِحَانِ الَّذِي يعقبه النصر القريب، ولهذا قال تعالى: وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وقوله تعالى: وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً دَلِيلٌ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَقُوَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ، كما قال جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ: إِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ، وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْبُخَارِيِّ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، ومعنى قوله جلت عظمته وَما زادَهُمْ أَيْ ذَلِكَ الْحَالُ وَالضِّيقُ وَالشِّدَّةُ إِلَّا إِيماناً بِاللَّهِ وَتَسْلِيماً أَيِ انْقِيَادًا لِأَوَامِرِهِ وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم.

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٣ الى ٢٤]

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤)

لَمَّا ذكر عز وجل عَنِ الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ نَقَضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانُوا عَاهِدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ، وَصَفَ المؤمنين بأنهم استمروا على العهد والميثاق صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَجْلَهُ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: عَهْدَهُ وَهُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا أَيْ وَمَا غَيَّرُوا عَهْدَ اللَّهِ وَلَا نَقَضُوهُ وَلَا بَدَّلُوهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ قال: لما نسخنا المصحف فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا لم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، الَّذِي جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ تفرد بِهِ الْبُخَارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ «٣» فِي مسنده والترمذي «٤» والنسائي في التفسير من سننهما من حديث الزهري به. وقال


(١) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٢٧٨.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ٣٣، باب ٣.
(٣) المسند ٥/ ١٨٨، ١٨٩.
(٤) كتاب التفسير، تفسير سورة ٣٣، باب ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>