للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْآيَةُ الَّتِي مِنْ سُورَةِ يُونُسَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ وَالْآيَةُ الْأُخْرَى فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ إلى آخر أربع آيات، وَقَوْلُهُ إِنَّما صَنَعُوا كَيْدُ ساحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتى [طه: ٦٩] .

[[سورة يونس (١٠) : آية ٨٣]]

فَما آمَنَ لِمُوسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الْقَاطِعَاتِ وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَاتِ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَهُمُ الشَّبَابُ عَلَى وَجِلٍ وَخَوْفٍ مِنْهُ وَمِنْ مَلَئِهِ أَنْ يَرُدُّوهُمْ إِلَى مَا كَانُوا عليه من الكفر، لأن فرعون لعنه الله كَانَ جَبَّارًا عَنِيدًا مُسْرِفًا فِي التَّمَرُّدِ وَالْعُتُوِّ وَكَانَتْ لَهُ سَطْوَةٌ وَمَهَابَةٌ تَخَافُ رَعِيَّتُهُ مِنْهُ خَوْفًا شَدِيدًا، قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ قَالَ: فَإِنَّ الذُّرِّيَّةَ الَّتِي آمَنَتْ لِمُوسَى مِنْ أُنَاسٍ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ يَسِيرٌ مِنْهُمْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ: وَمُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَخَازِنُ فِرْعَوْنَ وَامْرَأَةُ خَازِنِهِ «١» .

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ يَقُولُ بَنِي إِسْرَائِيلَ «٢» وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: الذُّرِّيَّةُ الْقَلِيلُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ في قوله: إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ: هُمْ أَوْلَادُ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ مُوسَى مِنْ طُولِ الزَّمَانِ وَمَاتَ آبَاؤُهُمْ «٣» وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ قَوْلَ مُجَاهِدٍ فِي الذُّرِّيَّةِ أَنَّهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ لِعُودِ الضَّمِيرُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَذْكُورِينَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالذُّرِّيَّةِ الْأَحْدَاثَ وَالشَّبَابَ وَأَنَّهُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

فَالْمَعْرُوفُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَاسْتَبْشَرُوا بِهِ وَقَدْ كَانُوا يَعْرِفُونَ نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ وَالْبِشَارَةَ بِهِ مِنْ كتبهم المتقدمة وأن الله تعالى سينقذهم مِنْ أَسْرِ فِرْعَوْنَ وَيُظْهِرُهُمْ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَمَّا بَلَغَ هَذَا فِرْعَوْنَ حَذِرَ كُلَّ الْحَذَرِ فَلَمْ يُجْدِ عَنْهُ شَيْئًا، وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى آذَاهُمْ فرعون أشد الأذى، وقالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ

وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ إِلَّا ذُرِّيَّةً مِنْ قَوْمِ مُوسَى وَهُمْ بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أي وأشراف قومه أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مَنْ يَخَافُ مِنْهُ أَنْ يَفْتِنَ عَنِ الْإِيمَانِ سوى قارون فإنه كان من قوم


(١) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥٩٢.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٥٩٢.
(٣) تفسير الطبري ٦/ ٥٩١، ٥٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>