للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنعتها، ثم أخذها الناس عنه قرنا بعد قرن، وجيلا بعد جيل، يسيرون من قطر إلى قطر، ومن بلد إلى بلد، ومن إقليم إلى إقليم، لجلب ما هناك إلى ما هنا، وما هنا إلى ما هناك، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أي نعمه وإحسانه.

وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: وجدت في كتابي عن محمد بن معاوية البغدادي، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو عن سهل بن أبي صالح عن أبيه، عن أبي هريرة قال:

كلم الله البحر الغربي وكلم البحر الشرقي، فقال للبحر الغربي: إني حامل فيك عبادا من عبادي، فكيف أنت صانع فيهم؟ قال: أغرقهم، فقال: بأسك في نواحيك، وأحملهم على يدي، وحرمت الحلية والصيد، وكلم هذا البحر الشرقي فقال: إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم؟ فقال: أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها، فأثابه الحلية والصيد، ثم قال البزار: لا نعلم من رواه عن سهل غير عبد الرحمن بن عبد الله بن عمرو، وهو منكر الحديث.

وقد رواه سهل عن النعمان بن أبي عياش عن عبد الله بن عمر موقوفا.

ثم ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات، والجبال الراسيات، لتقر.

الأرض ولا تميد، أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك، ولهذا قال: ﴿وَالْجِبالَ أَرْساها﴾ [النازعات: ٣٢] وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن قتادة، سمعت الحسن يقول: لما خلقت الأرض كانت تميد، فقالوا: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا، فأصبحوا وقد خلقت الجبال، فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال. وقال سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عبادة أن الله لما خلق الأرض جعلت تمور، فقالت الملائكة: ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا فأصبحت صبحا وفيها رواسيها.

وقال ابن جرير (١): حدثني المثنى، حدثني حجاج بن منهال، حدثنا حماد عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حبيب، عن علي بن أبي طالب قال: لما خلق الله الأرض قمصت وقالت: أي رب تجعل علي بني آدم يعملون الخطايا ويجعلون علي الخبث؟ قال: فأرسى الله فيها من الجبال ما ترون وما لا ترون، فكان إقرارها كاللحم يترجرج.

وقوله: ﴿وَأَنْهاراً وَسُبُلاً﴾ أي جعل فيها أنهارا تجري من مكان إلى مكان آخر رزقا للعباد، ينبغ في موضع وهو رزق لأهل موضع آخر، فيقطع البقاع والبراري والقفار، ويخترق الجبال والآكام، فيصل إلى البلد الذي سخر لأهله وهي سائرة في الأرض يمنة ويسرة، وجنوبا وشمالا، وشرقا وغربا، ما بين صغار وكبار، وأودية تجري حينا وتنقطع في وقت، وما بين نبع وجمع، وقوي السير وبطئه بحسب ما أراد وقدر وسخر ويسر، فلا إله إلا هو ولا رب سواه، وكذلك جعل فيها سبلا أي طرقا يسلك فيها من بلاد إلى بلاد حتى إنه تعالى ليقطع الجبل حتى يكون ما بينهما ممرا ومسلكا، كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً﴾ [الأنبياء: ٣١] الآية.


(١) تفسير الطبري ٧/ ٥٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>