للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسكت العباس، فلما رأيت ذلك قلت: أنا يا رسول الله. قال: وإني يومئذ لأسوأهم هيئة، وإني لأعمش العينين، ضخم البطن، خمش الساقين، فهذه طرق متعددة لهذا الحديث عن علي ، ومعنى سؤاله لأعمامه وأولادهم أن يقضوا عنه دينه ويخلفوه في أهله، يعني إن قتل في سبيل الله، كأنه خشي إذا قام بأعباء الإنذار أن يقتل.

فلما أنزل الله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] فعند ذلك أمن، وكان أو لا يحرس حتى نزلت هذه الآية ﴿وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ ولم يكن أحد في بني هاشم إذ ذاك أشد إيمانا وإيقانا وتصديقا لرسول الله من علي ، ولهذا بدرهم إلى التزام ما طلب منهم رسول الله ثم كان بعد هذا-والله أعلم-دعاؤه الناس جهرة على الصفا، وإنذاره لبطون قريش عموما وخصوصا، حتى سمى من سمى من أعمامه وعماته وبناته لينبه بالأدنى على الأعلى، أي إنما أنا نذير والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد الدمشقي-غير منسوب-من طريق عمرو بن سمرة، عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم، وولده إلى جنبه، وأهل بيته جلوس في جانب المسجد يتحدثون، فقيل له: ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم، وأهل بيتك جلوس لاهين؟ فقال: لأني سمعت رسول الله يقول «أزهد الناس في الدنيا الأنبياء، وأشدهم عليهم الأقربون» وذلك فيما أنزل الله ﷿، قال تعالى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ -إلى قوله- ﴿فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ أي في جميع أمورك، فإنه مؤيدك وحافظك وناصرك ومظفرك ومعلي كلمتك. وقوله تعالى: ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أي هو معتن بك كما قال تعالى: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا﴾ [الطور: ٤٨] قال ابن عباس ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ يعني إلى الصلاة. وقال عكرمة يرى قيامه وركوعه وسجوده. وقال الحسن ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ إذا صليت وحدك، وقال الضحاك ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ أي من فراشك أو مجلسك. وقال قتادة ﴿الَّذِي يَراكَ﴾ قائما وجالسا وعلى حالاتك.

وقوله تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ﴾ قال قتادة ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ﴾ قال: في الصلاة يراك وحدك، ويراك في الجمع، وهذا قول عكرمة وعطاء الخراساني والحسن البصري. وقال مجاهد: كان رسول الله يرى من خلفه كما يرى من أمامه، ويشهد لهذا ما صح في الحديث «سووا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري» (١) وروى


(١) أخرجه البخاري في الأذان باب ٧٤، ومسلم في الصلاة حديث ١٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>