قال أبو العالية: نزلت في أهل الكتاب، كتموا صفة محمد ﷺ، ثم أخبر أنهم يلعنهم كل شيء على صنيعهم ذلك، فكما أن العالم يستغفر له كل شيء حتى الحوت في الماء، والطير في الهواء، فهؤلاء بخلاف العلماء، فيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون، وقد ورد في الحديث المسند من طرائق يشد بعضها بعضا عن أبي هريرة وغيره أن رسول الله ﷺ، قال:«من سئل عن علم فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار» والذي في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله، ما حدثت أحدا شيئا ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى﴾ الآية.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن المنهال بن عمرو، عن زاذان بن عمرو، عن البراء بن عازب، قال: كنا مع النبي ﷺ في جنازة، فقال:«إن الكافر يضرب ضربة بين عينيه، فيسمع صوته كل دابة غير الثقلين، فتلعنه كل دابة سمعت صوته، فذلك قول الله تعالى، ﴿أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ﴾ يعني دواب الأرض» ورواه ابن ماجة عن محمد بن الصباح، عن عامر بن محمد به، وقال عطاء بن أبي رباح: كل دابة والجن والإنس، وقال مجاهد: إذا أجدبت الأرض، قال البهائم: هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم، وقال أبو العالية والربيع بن أنس وقتادة ﴿وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ﴾ يعني تلعنهم الملائكة والمؤمنون، وقد جاء في الحديث أن العالم يستغفر له كل شيء، حتى الحيتان في البحر، وجاء في هذه الآية أن كاتم العلم يلعنه الله والملائكة والناس أجمعون واللاعنون أيضا، وهم كل فصيح وأعجمي، إما بلسان المقال، أو الحال، أو لو كان له عقل ويوم القيامة والله أعلم.
ثم استثنى الله تعالى من هؤلاء من تاب إليه، فقال: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ أي رجعوا عما كانوا فيه وأصلحوا أعمالهم وبينوا للناس ما كانوا يكتمونه ﴿فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوّابُ الرَّحِيمُ﴾ وفي هذا دلالة على أن الداعية إلى كفر، أو بدعة إذا تاب إلى الله تاب الله عليه.
وقد ورد أن الأمم السالفة لم تكن التوبة تقبل من مثل هؤلاء منهم ولكن هذا من شريعة نبي التوبة ونبي الرحمة صلوات الله وسلامه عليه.
ثم أخبر تعالى عمن كفر به واستمر به الحال إلى مماته بأنّ ﴿عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها﴾ أي في اللعنة التابعة لهم إلى يوم القيامة ثم المصاحبة فهم في نار جهنم التي ﴿لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ﴾ فيها أي لا ينقص عما هم فيه ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ أي لا يغير عنهم ساعة واحدة ولا يفتر بل هو متواصل دائم فنعوذ بالله من ذلك. قال أبو العالية وقتادة إن الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه الله ثم تلعنه الملائكة، ثم يلعنه الناس أجمعون.
[فصل] لا خلاف في جواز لعن الكفار، وقد كان عمر بن الخطاب ﵁ ومن بعده من الأئمة، يلعنون الكفرة في القنوت وغيره، فأما الكافر المعين، فقد ذهب جماعة من العلماء إلى أنه لا يلعن لأنا لا ندري بما يختم الله له، واستدل بعضهم بالآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا