﴿فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ﴾ كقوله ﴿فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها﴾ [الإسراء:١٥] ولهذا قال ﴿وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها﴾ لما ذكر البصائر، قال ﴿وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها﴾ أي إنما يعود وباله عليه، كقوله ﴿فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] ﴿وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ أي بحافظ ولا رقيب، بل أنا مبلغ، والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
وقوله ﴿وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾ أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة، من بيان التوحيد، وأنه لا إله إلا هو، هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهالة الجاهلين، وليقول المشركون والكافرون المكذبون، دارست يا محمد من قبلك، من أهل الكتاب وقارأتهم، وتعلمت منهم، هكذا قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والضحاك، وغيرهم (١)، وقال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عمرو بن كيسان، قال سمعت ابن عباس يقول:
دارست: تلوت، خاصمت، جادلت.
وهذا كقوله تعالى إخبارا عن كذبهم وعنادهم، ﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذا إِلاّ إِفْكٌ افْتَراهُ وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها﴾ [الفرقان: ٤ - ٥] الآية، وقال تعالى إخبارا عن زعيمهم وكاذبهم ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ، ثُمَّ نَظَرَ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ إِنْ هذا إِلاّ قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ [المدثر: ١٨ - ٢٥].
وقوله ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه فلله تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك وبيان الحق لهؤلاء كقوله تعالى: ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً﴾ [البقرة: ٢٦] الآية، وكقوله ﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ ﴿وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الحج: ٥٤] وقال تعالى: ﴿وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النّارِ إِلاّ مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ماذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ﴾ [المدثر: ٣١] وقال ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظّالِمِينَ إِلاّ خَساراً﴾ [الإسراء: ٨٢] وقال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ [فصلت: ٤٤] إلى غير ذلك من الآيات الدالة، على أنه تعالى أنزل القرآن هدى للمتقين، وأنه