للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدُسَّانِ فِي فِيهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ مَاتَ جَائِعًا» ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَذَا مِنَ الَّذِينَ قال الله عز وجل فيهم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الآية، ثم قال «دونكم أخاكم» فَاحْتَمَلْنَاهُ إِلَى الْمَاءِ، فَغَسَّلْنَاهُ وَحَنَّطْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ، وَحَمَلْنَاهُ إِلَى الْقَبْرِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ، فَقَالَ «الْحِدُوا وَلَا تَشُقُّوا فَإِنَّ اللَّحْدَ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا» .

ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَسْوَدَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْفَرَّاءِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ فِيهِ: هَذَا مِمَّنْ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا مِهْرَانُ بْنُ أَبِي عمر، حدثنا علي بن عبد الله، عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ سَارَهُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، لَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ بِلَادِي وَتِلَادِي وَمَالِي لِأَهْتَدِيَ بِهُدَاكَ، وَآخُذَ مِنْ قَوْلِكَ، وَمَا بَلَغْتُكَ حَتَّى مَا لِي طَعَامٌ إِلَّا مِنْ خَضِرِ الْأَرْضِ، فَاعْرِضْ عَلَيَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ، فَازْدَحَمْنَا حَوْلَهُ فَدَخَلَ خُفُّ بَكْرِهِ فِي بَيْتِ جُرْذَانٍ، فَتَرَدَّى الْأَعْرَابِيُّ فَانْكَسَرَتْ عُنُقُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَ وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ خَرَجَ مِنْ بِلَادِهِ وَتِلَادِهِ وَمَالِهِ، لِيَهْتَدِيَ بِهُدَايَ وَيَأْخُذَ مِنْ قَوْلِي وَمَا بَلَغَنِي حَتَّى مَا لَهُ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ خَضِرِ الْأَرْضِ، أَسَمِعْتُمْ بِالَّذِي عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا؟ هَذَا مِنْهُمْ.

أَسَمِعْتُمْ بِالَّذِينِ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وهم مهتدون؟ فإن هذا منهم» وفي لفظ قال «هذا عمل قليلا وأجر كثيرا» وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يعلى الكوفي، وَكَانَ نَزَلَ الرَّيَّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سخبرة، قَالَ:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مِنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَمُنِعَ فَصَبَرَ، وَظَلَمَ فاستغفر، وظلم فغفر» وسكت، قال: فقالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَهُ؟ قَالَ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ.

وَقَوْلُهُ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ أَيْ وَجَّهْنَا حُجَّتَهُ عليهم، قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: يَعْنِي بِذَلِكَ قَوْلَهُ وَكَيْفَ أَخافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ الآية، وَقَدْ صَدَّقَهُ اللَّهُ وَحَكَمَ لَهُ بِالْأَمْنِ وَالْهِدَايَةِ فَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ قُرِئَ بِالْإِضَافَةِ وَبِلَا إِضَافَةٍ «١» ، كَمَا فِي سُورَةِ يُوسُفَ، وَكِلَاهُمَا قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ أي حكيم في أقواله وأفعاله، عَلِيمٌ أَيْ بِمَنْ يَهْدِيهِ وَمَنْ يُضِلُّهُ، وَإِنْ قامت عليه الحجج والبراهين، كما قال


(١) قرأ الكوفيون «درجات» بالتنوين، وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو بغير تنوين على الإضافة. (تفسير الطبري ٧/ ٣٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>