للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي قَوْلِهِ:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً قَالَ: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ: بَنُو الْمُغِيرَةِ، وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَأَمَّا بَنُو الْمُغِيرَةِ فكُفِيتُمُوهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا بَنُو أُمَيَّةَ فَمُتِّعُوا إِلَى حِينٍ، وَكَذَا رَوَاهُ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذِهِ الآية أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ؟ قَالَ: هُمُ الْأَفْجَرَانِ مِنْ قُرَيْشٍ:

أَخْوَالِي وَأَعْمَامُكَ، فَأَمَّا أَخْوَالِي فَاسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمَّا أَعْمَامُكُ فَأَمْلَى اللَّهُ لَهُمْ إِلَى حِينٍ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وابن زَيْدٍ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَقَوْلُهُ: وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ [لقمان: ٢٤] أَيْ جَعَلُوا لَهُ شُرَكَاءَ عَبَدُوهُمْ مَعَهُ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُهَدِّدًا لَهُمْ وَمُتَوَعِّدًا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أَيْ مَهْمَا قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَافْعَلُوا، فَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أي مرجعكم وموئلكم إلينا كَمَا قَالَ تَعَالَى: نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ، وَقَالَ تَعَالَى: مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ [يُونُسَ: ٧٠] .

[[سورة إبراهيم (١٤) : آية ٣١]]

قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١)

يقول تعالى آمرا عباده بِطَاعَتِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى خَلْقِهِ بِأَنْ يُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَهِيَ عِبَادَةُ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِنْ يُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ بِأَدَاءِ الزَّكَوَاتِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقَرَابَاتِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْأَجَانِبِ، وَالْمُرَادُ بِإِقَامَتِهَا هُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى وَقْتِهَا وَحُدُودِهَا وَرُكُوعِهَا وَخُشُوعِهَا وَسُجُودِهَا، وَأَمَرَ تَعَالَى بِالْإِنْفَاقِ مِمَّا رَزَقَ فِي السِّرِّ أَيْ فِي الْخُفْيَةِ وَالْعَلَانِيَةِ وَهِيَ الْجَهْرُ، وَلْيُبَادِرُوا إِلَى ذَلِكَ لِخَلَاصِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ وَهُوَ يوم القيامة لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ أي ولا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ فِدْيَةٌ بِأَنْ تُبَاعَ نَفْسُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا [الْحَدِيدِ: ١٥] وَقَوْلُهُ: وَلا خِلالٌ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : يَقُولُ لَيْسَ هناك مخالفة خَلِيلٍ فَيَصْفَحُ عَمَّنِ اسْتَوْجَبَ الْعُقُوبَةَ عَنِ الْعِقَابِ لمخالفته، بل هناك العدل والقسط، والخلال مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ: خَالَلْتُ فُلَانًا فَأَنَا أُخَالُّهُ مُخَالَّةً وَخِلَالًا، وَمِنْهُ قَوْلُ امْرِئِ الْقَيْسِ: [الطويل]

صَرَفْتُ الْهَوَى عَنْهُنَّ مِنْ خَشْيَةِ الرَّدَى ... وَلَسْتُ بمقليّ الخلال ولا قالي «٢»


(١) تفسير الطبري ٧/ ٤٥٦، ٤٥٧.
(٢) البيت في ديوان امرئ القيس ص ٣٥، ولسان العرب (خلل) وتهذيب اللغة ٦/ ٥٦٧، وتفسير الطبري ٧/ ٤٥٧، وتفسير البحر المحيط ٥/ ٤١٥. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>