وقوله: ﴿تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ أي من غير برص ولا أذى ومن غير شين، قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي وغيرهم، وقال الحسن البصري: أخرجها والله كأنها مصباح، فعلم موسى أنه قد لقي ربه ﷿، ولهذا قال تعالى: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى﴾ وقال وهب: قال له ربه: ادنه فلم يزل يدنيه حتى أسند ظهره بجذع الشجرة، فاستقر وذهبت عنه الرعدة، وجمع يده في العصا وخضع برأسه وعنقه.
وقوله: ﴿اِذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى﴾ أي اذهب إلى فرعون ملك مصر الذي خرجت فارا منه وهاربا فادعه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومره فليحسن إلى بني إسرائيل ولا يعذبهم، فإنه قد طغى وبغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الرب الأعلى. قال وهب بن منبه:
قال الله لموسى: انطلق برسالتي فإنك بسمعي وعيني، وإن معك أيدي ونصري، وإني قد ألبستك جنة من سلطاني لتستكمل بها القوة في أمري، فأنت جند عظيم من جندي بعثتك إلى خلق ضعيف من خلقي بطر نعمتي، وأمن مكري، وغرته الدنيا عني حتى جحد حقي، وأنكر ربوبيتي وزعم أنه لا يعرفني، فإني أقسم بعزتي لولا القدر الذي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار يغضب لغضبه السموات والأرض والجبال والبحار، فإن أمرت السماء حصبته، وإن أمرت الأرض ابتلعته، وإن أمرت الجبال دمرته، وإن أمرت البحار غرقته.
ولكنه هان علي وسقط من عيني ووسعه حلمي واستغنيت بما عندي وحقي إني أنا الغني لا غني غيري، فبلغه رسالتي، وادعه إلى عبادتي، وتوحيدي وإخلاصي وذكره أيامي، وحذره نقمتي وبأسي، وأخبره أنه لا يقوم شيء لغضبي، وقل له فيما بين ذلك قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى، وأخبره أني إلى العفو والمغفرة أسرع مني إلى الغضب والعقوبة، ولا يروعنك ما ألبسته من لباس الدنيا، فإن ناصيته بيدي ليس ينطق ولا يطرف ولا يتنفس إلا بإذني، وقل له أجب ربك فإنه واسع المغفرة وقد أمهلك أربعمائة سنة في كلها أنت مبارزة بالمحاربة، تسبه وتتمثل به، وتصد عباده عن سبيله، وهو يمطر عليك السماء، وينبت لك الأرض لم تسقم ولم تهرم ولم تفتقر ولم تغلب، ولو شاء الله أن يعجل لك العقوبة لفعل، ولكنه ذو أناة وحلم عظيم.
وجاهده بنفسك وأخيك وأنتما تحتسبان بجهاده، فإني لو شئت أن آتيه بجنود لا قبل له بها لفعلت، ولكن ليعلم هذا العبد الضعيف الذي قد أعجبته نفسه وجموعه أن الفئة القليلة، ولا قليل مني، تغلب الفئة الكثيرة بإذني، ولا تعجبنكما زينته ولا ما متع به، ولا تمدا إلى ذلك أعينكما فإنها زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين، ولو شئت أن أزينكما من الدنيا بزينة ليعلم فرعون حين ينظر إليها أن مقدرته تعجز عن مثل ما أوتيتما فعلت، ولكني أرغب بكما عن ذلك وأزويه عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي وقديما ما جرت عادتي في ذلك، فإني لأذودهم عن نعيمها وزخارفها كما يذود الراعي الشفيق إبله عن مبارك العناء، وما ذاك لهوانهم علي ولكن