للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول تعالى مسليا لنبيه وكما قال لك هؤلاء المشركون قال المكذبون الأولون لرسلهم:

﴿كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ﴾ قال الله ﷿:

﴿أَتَواصَوْا بِهِ؟﴾ أي أوصى بعضهم بعضا بهذه المقالة ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ﴾ أي لكن هم قوم طغاة تشابهت قلوبهم، فقال متأخرهم كما قال متقدمهم.

قال الله تعالى: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ أي فأعرض عنهم يا محمد ﴿فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ يعني فما نلومك على ذلك ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي إنما تنتفع بها القلوب المؤمنة، ثم قال : ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ أي إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﴿إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ أي إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها. وهذا اختيار ابن جرير (١) وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس ﴿إِلاّ لِيَعْبُدُونِ﴾ أي إلا للعبادة، وقال السدي: من العبادة ما ينفع ومنها ما لا ينفع ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ﴾ هذا منهم عبادة وليس ينفعهم مع الشرك، وقال الضحاك: المراد بذلك المؤمنون.

وقوله تعالى: ﴿ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ قال الإمام أحمد (٢): حدثنا يحيى بن آدم وأبو سعيد قالا: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود قال: أقرأني رسول الله «إني لأنا الرزاق ذو القوة المتين» (٣) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسرائيل، وقال الترمذي: حسن صحيح. ومعنى الآية أنه خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب. وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم. فهو خالقهم ورازقهم. قال الإمام أحمد (٤): حدثنا محمد بن عبد الله، حدثنا عمران-يعني ابن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد-هو الوالبي-عن أبي هريرة قال: قال رسول الله قال الله تعالى- «يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإلا تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد


(١) المسند ١/ ٣٩٤.
(٢) أخرجه البخاري في التوحيد، باب ٣، وأبو داود في الحروف باب ٢٥، والترمذي في القرآن باب ٦.
(٣). ٢/ ٣٥٨.
(٤). ٢/ ٣٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>