للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل، كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعددهم وكثرة المشركين وعددهم.

وقوله : ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء، وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام، بل صان كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا فيه خير للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة، وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع حين جاءوا بأولئك السبعين الأسارى، فأوقفوهم بين يدي رسول الله فنظر إليهم فقال: «أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه». قال وفي ذلك أنزل الله ﷿: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ الآية.

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح، من قبل جبل التنعيم، يريدون غرة رسول الله فدعا عليهم فأخذوا. قال عفان: فعفا عنهم ونزلت هذه الآية: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ (٢) ورواه مسلم وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما من طرق عن حماد بن سلمة به.

وقال أحمد (٣) أيضا: حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا الحسين بن واقد، حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن مغفل المزني قال: كنا مع رسول الله في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن، وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله وعلي بن أبي طالب . وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله لعلي :

«اكتب بسم الله الرحمن الرحيم» فأخذ سهيل بيده وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم، اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: «اكتب باسمك اللهم-وكتب-هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة» فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله «فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح، فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله ، فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال رسول الله : «هل جئتم في عهد أحد؟ أو هل جعل لكم أحدا أمانا؟»


(١) المسند ٣/ ١٢٢، ١٢٤، ١٢٥، ٢٩٠.
(٢) أخرجه مسلم في الجهاد حديث ١٣٣، وأبو داود في الجهاد باب ١٢٠، والترمذي في تفسير سورة ٤٨ باب ٣.
(٣) المسند ٤/ ٨٦، ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>