فقالوا: لا، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً﴾ الآية رواه النسائي من حديث حسين بن واقد به.
وقال ابن جرير (١): حدثنا ابن حميد، حدثنا يعقوب القمي، حدثنا جعفر عن ابن أبزى قال: لما خرج النبي ﷺ بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر ﵁: يا نبي الله، تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع؟ قال: فبعث ﷺ إلى المدينة فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله، فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى، فنزل بمنى فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة، فقال لخالد بن الوليد ﵁:«يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل» فقال خالد ﵁: أنا سيف الله وسيف رسوله، فيومئذ سمي سيف الله، فقال: يا رسول الله ابعثني أين شئت، فبعثه على خيل فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ﴾ -إلى قوله تعالى- ﴿عَذاباً أَلِيماً﴾ قال فكف الله ﷿ النبي ﷺ عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل.
ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه، وهذا السياق فيه نظر فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية، لأن خالدا ﵁ لم يكن أسلم بل قد كان طليعة المشركين يومئذ، كما ثبت في الصحيح، ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء لأنهم قاضوه على أن يأتي في العام المقبل فيعتمر، ويقيم بمكة ثلاثة أيام، ولما قدم ﷺ لم يمانعوه ولا حاربوه ولا قاتلوه.
فإذا قيل: فيكون يوم الفتح؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح لأنه لم يسق عام الفتح هديا، وإنما جاء محاربا مقاتلا في جيش عرمرم، فهذا السياق فيه خلل وقد وقع فيه شيء فليتأمل والله أعلم.
وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس ﵁ قال: إن قريشا بعثوا أربعين رجلا منهم أو خمسين، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله ﷺ ليصيبوا من أصحابه أحدا فأخذوا أخذا، فأتي بهم رسول الله ﷺ فعفا عنهم وخلى سبيلهم، وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله ﷺ بالحجارة والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله تعالى:
﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ﴾ الآية. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلا يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية، فرماه المشركون بسهم فقتلوه، فبعث رسول الله ﷺ خيلا