للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحج: ٣٧] وهو غني عن جميع خلقه وجميع خلقه فقراء إليه، وهو واسع الفضل، لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب، فليعلم أن الله غني واسع العطاء، كريم جواد، ويجزيه بها، ويضاعفها له أضعافا كثيرة، من يقرض غير عديم ولا ظلوم، وهو الحميد أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو، ولا رب سواه.

وقوله: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ قال ابن ابي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا هناد بن السري، حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله «إن للشيطان للمّة بابن آدم وللملك لمة (١)، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير والتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، فليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان» ثم قرأ ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً﴾ الآية، وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعا، عن هناد بن السري. وأخرجه ابن حبان في صحيحه، عن أبي يعلى الموصلي، عن هناد به، وقال الترمذي: حسن غريب، وهو حديث أبي الأحوص، يعني سلام بن سليم، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديثه، كذا قال وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره، عن محمد بن أحمد؛ عن محمد بن عبد الله بن وستة، عن هارون الفروي، عن أبي ضمرة، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود مرفوعا نحوه؛ ولكن رواه مسعر عن عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، عن ابن مسعود، فجعله من قوله، والله أعلم.

ومعنى قول تعالى: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ أي يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله. ﴿وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ﴾ أي مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق، قال تعالى: ﴿وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ﴾ أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء. ﴿وَفَضْلاً﴾ أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر ﴿وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وقوله: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله، وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعا «الحكمة القرآن» يعني تفسيره، قال ابن عباس:

فإنه قد قرأه البر والفاجر، رواه ابن مردويه، وقال ابن أبي نجيح، عن مجاهد: يعني بالحكمة الإصابة في القول، وقال ليث بن أبي سليم، عن مجاهد ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ﴾: ليست بالنبوة، ولكنه العلم والفقه والقرآن، وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله، فإن خشية الله رأس


(١) اللمّة: التهمّة والخطرة في القلب، أو الدنوّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>