للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وأطاب الكلام، وتابع الصلاة والصيام، وقام بالليل والناس نيام.

﴿وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ في أحوالهم كلها في دينهم ودنياهم ثم أخبرهم تعالى أن الرزق لا يختص ببقعة، بل رزقه تعالى عام لخلقه حيث كانوا وأين كانوا، بل كانت أرزاق المهاجرين حيث هاجروا أكثر وأوسع وأطيب، فإنهم بعد قليل صاروا حكام البلاد في سائر الأقطار والأمصار، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ أي لا تطيق جمعه وتحصيله ولا تدخر شيئا لغد ﴿اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ﴾ أي الله يقيض لها رزقها على ضعفها وييسره عليها، فيبعث إلى كل مخلوق من الرزق ما يصلحه حتى الذر في قرار الأرض، والطير في الهواء والحيتان في الماء. قال تعالى: ﴿وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ﴾.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الرحمن الهروي، حدثنا يزيد يعني ابن هارون، حدثنا الجراح بن منهال الجزري-هو أبو العطوف-عن الزهري عن رجل عن ابن عمر قال:

خرجت مع رسول الله حتى دخل بعض حيطان المدينة، فجعل يلتقط من التمر ويأكل، فقال لي: «يا ابن عمر ما لك لا تأكل؟» قال: قلت لا أشتهيه يا رسول الله، قال لكني أشتهيه، وهذا صبح رابعة منذ لم أذق طعاما ولم أجده، ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا ابن عمر إذا بقيت في قوم يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين؟» قال: فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ فقال رسول الله : «إن الله ﷿ لم يأمرني بكنز الدنيا، ولا باتباع الشهوات، فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية، فإن الحياة بيد الله، ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبأ رزقا لغد» هذا حديث غريب، وأبو العطوف الجزري ضعيف.

وقد ذكروا أن الغراب إذا فقس عن فراخه البيض خرجوا وهم بيض، فإذا رآهم أبواهم كذلك نفرا عنهم أياما حتى يسود الريش، فيظل الفرخ فاتحا فاه يتفقد أبويه فيقيض الله تعالى طيرا صغارا كالبرغش، فيغشاه فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه، والأبوان يتفقدانه كل وقت، فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه، فإذا رأوه قد اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق، ولهذا قال الشاعر:

يا رازق النعاب في عشه … وجابر العظم الكسير المهيض

وقد قال الشافعي في جملة كلام له في الأوامر كقول النبي : «سافروا تصحوا وترزقوا» قال البيهقي: أخبرنا إملاء أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيد، أخبرنا محمد بن غالب، حدثني محمد بن سنان، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن رداد شيخ من أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>