فما أدري إذا يمّمت أرضا … أريد الخير أيهما يليني (١)
أي فما أدري يليني الخير أو الشر. قال مجاهد بن جبر: أمرت اليهود قريشا أن يقولوا لمحمد ﷺ ذلك، فقال الله:«أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا ساحران تظاهرا» قال يعني موسى وهارون صلى الله عليهما وسلم ﴿تَظاهَرا﴾ أي تعاونا وتناصرا وصدق كل منهما الآخر؟ وبهذا قال سعيد بن جبير وأبو رزين في قوله «ساحران» يعنون موسى وهارون، وهذا قول جيد قوي، والله أعلم. وقال مسلم بن يسار عن ابن عباس «قالوا ساحران تظاهرا» قال:
يعنون موسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم، وهذه رواية الحسن البصري. وقال الحسن وقتادة: يعني عيسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم، وهذا فيه بعد، لأن عيسى لم يجر له ذكر هاهنا، والله أعلم.
وأما من قرأ ﴿سِحْرانِ تَظاهَرا﴾ فقال علي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس: يعنون التوراة والقرآن، وكذا قال عاصم الجندي والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. قال السدي: يعني صدق كل واحد منهما الآخر. وقال عكرمة: يعنون التوراة والإنجيل، وهو رواية عن أبي زرعة، واختاره ابن جرير. وقال الضحاك وقتادة: الإنجيل والقرآن، والله ﷾ أعلم بالصواب.
والظاهر على قراءة ﴿سِحْرانِ﴾ أنهم يعنون التوراة والقرآن، لأنه قال بعده: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ﴾ وكثيرا ما يقرن الله بين التوراة والقرآن، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنّاسِ﴾ -إلى أن قال- ﴿وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩١ - ٩٢] وقال في آخر السورة: ﴿ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ﴾ الآية، وقال: ﴿وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٥] وقال الجن ﴿إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ [الأحقاف: ٣٠].
وقال ورقة بن نوفل: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. وقد علم بالضرورة لذوي الألباب أن الله تعالى لم ينزل كتابا من السماء فيما أنزل من الكتب المتعددة على أنبيائه أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم ولا أشرف من الكتاب الذي أنزل على محمد ﷺ، وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى بن عمران ﵇، وهو الكتاب الذي قال الله فيه:
(١) البيت للمثقب العبدي في ديوانه ص ٢١٢، وخزانة الأدب ١١/ ٨٠، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٧، وشرح شواهد المغني ١/ ١٩١، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٤٥، وخزانة الأدب ٦/ ٣٧.