عَلَيْهِ، فَإِنَّكَ لَا يَكِلُّ بَصَرُكَ إِلَّا وَهُوَ حَاضِرٌ عِنْدَكَ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: امْدُدْ بَصَرَكَ فَلَا يَبْلُغْ مَدَاهُ حَتَّى آتِيَكَ بِهِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَنْظُرَ نَحْوَ الْيَمَنِ الَّتِي فِيهَا هَذَا الْعَرْشُ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ قَامَ فتوضأ ودعا الله تعالى. قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: يَا إِلَهَنَا وَإِلَهَ كُلِّ شَيْءٍ إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ائتني بعرشها. قال: فمثل بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُمْ: لما دعا الله تعالى وَسَأَلَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ وَكَانَ فِي الْيَمَنِ وَسُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ غَابَ السَّرِيرُ وَغَاصَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ نَبَعَ مِنْ بين يدي سليمان.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: لَمْ يَشْعُرْ سُلَيْمَانُ إِلَّا وَعَرْشُهَا يُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ وَكَانَ هَذَا الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنْ عُبَّادِ الْبَحْرِ فَلَمَّا عَايَنَ سُلَيْمَانُ وَمَلَؤُهُ ذَلِكَ وَرَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي أَيْ هَذَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ لِيَبْلُوَنِي أَيْ لِيَخْتَبِرَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها [فُصِّلَتْ: ٤٦] وَكَقَوْلِهِ: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الرُّومِ: ٤٤] .
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ أَيْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْعِبَادِ وَعِبَادَتِهِمْ كَرِيمٌ أَيْ كَرِيمٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْبُدْهُ أَحَدٌ فَإِنَّ عَظَمَتَهُ لَيْسَتْ مُفْتَقِرَةً إِلَى أَحَدٍ، وَهَذَا كَمَا قَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ [إِبْرَاهِيمَ: ٨] .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مِلْكِي شَيْئًا. يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» «١» .
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٤١ الى ٤٤]
قالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (٤١) فَلَمَّا جاءَتْ قِيلَ أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِها وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (٤٢) وَصَدَّها مَا كانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّها كانَتْ مِنْ قَوْمٍ كافِرِينَ (٤٣) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها قالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ قالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٤)
لَمَّا جِيءَ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِعَرْشِ بِلْقِيسَ قَبْلَ قُدُومِهَا أَمَرَ بِهِ أَنْ يُغَيَّرَ بَعْضُ صِفَاتِهِ لِيَخْتَبِرَ مَعْرِفَتَهَا وَثَبَاتَهَا عِنْدَ رُؤْيَتِهِ هَلْ تُقْدِمُ عَلَى أَنَّهُ عَرْشُهَا أو أنه ليس بعرشها فَقَالَ نَكِّرُوا لَها عَرْشَها نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ قَالَ ابْنُ عباس نزع منه فصوصه ومرافقه، وقال
(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٥٥.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.patreon.com/shamela4