للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسلم عن أبي ذر أن رسول الله سئل أي الكلام أفضل؟ قال: «ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده» (١) وروى البيهقي عن عبد الرحمن بن قرط أن رسول الله ليلة أسري به سمع تسبيحا في السموات العلا «سبحان العلي الأعلى ».

﴿قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ قال قتادة: فكان في علم الله أنه سيكون في تلك الخليفة أنبياء ورسل وقوم صالحون وساكنو الجنة. وسيأتي عن ابن مسعود وابن عباس وغير واحد من الصحابة والتابعين أقوال في حكمة قوله تعالى: ﴿قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾.

وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما اختلفوا فيه ويقطع تنازعهم وينتصر لمظلومهم من ظالمهم ويقيم الحدود ويزجر عن تعاطي الفواحش إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا تمكن إقامتها إلا بالإمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والإمامة تنال بالنص كما يقوله طائفة من أهل السنة في أبي بكر، أو بالإيماء إليه كما يقول آخرون منهم، أو باستخلاف الخليفة آخر بعده كما فعل الصديق بعمر بن الخطاب أو بتركه شورى في جماعة صالحين كذلك كما فعله عمر، أو باجتماع أهل الحل والعقد على مبايعته أو بمبايعة واحد منهم له فيجب التزامها عند الجمهور، وحكى على ذلك إمام الحرمين الإجماع. والله أعلم. أو بقهر واحد الناس على طاعته فتجب لئلا يؤدي ذلك إلى الشقاق والاختلاف. وقد نص عليه الشافعي. وهل يجب الإشهاد على عقد الإمام؟ فيه خلاف، فمنهم من قال لا يشترط وقيل بلى ويكفي شاهدان، وقال الجبائي: يجب أربعة وعاقد ومعقود له، كما ترك عمر الأمر شورى بين ستة فوقع الأمر على عاقد وهو عبد الرحمن بن عوف، ومعقود له وهو عثمان، واستنبط وجوب الأربعة الشهود من الأربعة الباقين وفي هذا نظر، والله أعلم.

ويجب أن يكون ذكرا حرا بالغا عاقلا مسلما عدلا مجتهدا بصيرا سليم الأعضاء خبيرا بالحروب والآراء، قرشيا على الصحيح، ولا يشترط الهاشمي ولا المعصوم من الخطأ خلافا للغلاة الروافض. ولو فسق الإمام هل ينعزل أم لا؟ فيه خلاف، والصحيح أنه لا ينعزل لقوله ، «إلا أن تروا كفرا بواحا (٢) عندكم من الله فيه برهان» وهل له أن يعزل نفسه؟ فيه خلاف. وقد عزل الحسن بن علي نفسه وسلم الأمر إلى معاوية، لكن هذا لعذر، وقد مدح على ذلك. فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة


(١) صحيح مسلم (كتاب الذكر والدعاء، حديث ٨٤)
(٢) أي جهارا. من قولهم: باح بالشيء، إذا أعلنه. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه (إمارة حديث ٤٢). قال النووي: معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام. فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم. وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>