للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى قضى الله فيه، فلذلك قال ﷿ ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ وليس تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا الذي ذكر مما خلفنا بتخليفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه (١).

هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته رواه صاحبا الصحيح البخاري ومسلم، من حديث الزهري بنحوه، فقد تضمن هذا الحديث تفسير هذه الآية الكريمة بأحسن الوجوه وأبسطها، وكذا روي عن غير واحد من السلف في تفسيرها، كما رواه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ قال: هم كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، وكلهم من الأنصار، وكذا قال مجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغير واحد وكلهم قال مرارة بن ربيعة، وكذا في مسلم بن ربيعة في بعض نسخه، وفي بعضها مرارة بن الربيع، وفي رواية عن الضحاك مرارة بن الربيع كما وقع في الصحيحين وهو الصواب، وقوله فسموا رجلين شهدا بدرا قيل إنه خطأ من الزهري، فإنه لا يعرف شهود واحد من هؤلاء الثلاثة بدرا، والله أعلم.

ولما ذكر تعالى ما فرج به عن هؤلاء الثلاثة من الضيق والكرب من هجر المسلمين إياهم نحوا من خمسين ليلة بأيامها، وضاقت عليهم أنفسهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، أي مع سعتها فسدت عليهم المسالك والمذاهب فلا يهتدون ما يصنعون، فصبروا لأمر الله واستكانوا لأمر الله وثبتوا حتى فرج الله عنهم بسبب صدقهم رسول الله في تخلفهم، وأنه كان عن غير عذر فعوقبوا على ذلك هذه المدة ثم تاب الله عليهم، فكان عاقبة صدقهم خيرا لهم وتوبة عليهم، ولهذا قال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ أي اصدقوا والزموا الصدق تكونوا من أهله وتنجوا من المهالك، ويجعل لكم فرجا من أموركم ومخرجا.

وقد قال الإمام أحمد (٢): حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن شقيق عن عبد الله هو ابن مسعود قال: قال رسول الله : «عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا» (٣) أخرجاه في الصحيحين.

وقال شعبة عن عمرو بن مرة: سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود أنه قال: الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل، اقرءوا إن شئتم ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ﴾ هكذا قرأها، ثم قال فهل تجدون لأحد فيه رخصة (٤)، وعن عبد الله بن


(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٩، باب ١٨، ومسلم في التوبة حديث ٥٣.
(٢) المسند ١/ ٣٨٤.
(٣) أخرجه البخاري في الأدب باب ٦٩، ومسلم في البر حديث ١٠٣، ١٠٤، ١٠٥.
(٤) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥٠٩، ٥١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>