للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس: هي أول ساعة تكون في يوم القيامة، وقال ابن جرير عن مجاهد ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ قال: شدة الأمر وجده، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة، وقال العوفي عن ابن عباس: قوله:

﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ يقول حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه، وكذا روى الضحاك وغيره عن ابن عباس: أورد ذلك كله أبو جعفر بن جرير (١)، ثم قال (٢): حدثني أبو زيد عمر بن شبّة، حدثنا هارون بن عمر المخزومي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا أبو سعيد روح بن جناح عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه عن النبي قال ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ﴾ يعني عن نور عظيم يخرّون له سجدا» ورواه أبو يعلى عن القاسم بن يحيى عن الوليد بن مسلم به وفيه رجل مبهم والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ أي في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه، ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلى الرب ﷿ فيسجد له المؤمنون ولا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقا واحدا كلما أراد أحدهم أن يسجد خرّ لقفاه عكس السجود، كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون.

ثم قال تعالى: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ﴾ يعني القرآن، وهذا تهديد شديد أي دعني وإياه مني ومنه أنا أعلم به منه كيف أستدرجه وأمده في غيه وأنظر ثم آخذه أخذ عزيز مقتدر، ولهذا قال تعالى: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ أي وهم لا يشعرون بل يعتقدون أن ذلك من الله كرامة وهو في نفس الأمر إهانة، كما قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون: ٥٥ - ٥٦] وقال تعالى: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤] ولهذا قال هاهنا: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي وأؤخرهم وأنظرهم وأمدهم وذلك من كيدي ومكري بهم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ أي عظيم لمن خالف أمري وكذب رسلي واجترأ على معصيتي.

وفي الصحيحين عن رسول الله أنه قال: «إن الله تعالى ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» (٣) ثم قرأ ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ [هود:


(١) تفسير الطبري: ١٢/ ١٩٧، ١٩٨.
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٢٠٠.
(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١، باب ٥، ومسلم في البر حديث ٦٢، وابن ماجة في الفتن باب ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>