للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والياقوت والورق والثمر بين ذلك، فمن أكل منها قائما لم تؤذه، ومن أكل منها قاعدا لم تؤذه، ومن أكل منها مضطجعا لم تؤذه.

وقوله جلت عظمته: ﴿وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ﴾ أي يطوف عليهم الخدم بأواني الطعام وهي من فضة وأكواب الشراب وهي الكيزان التي لا عرى لها ولا خراطيم، وقوله ﴿قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ﴾ فالأول منصوب بخبر كان أي كانت قوارير، والثاني منصوب إما على البدلية أو تمييز لأنه بينه بقوله جل وعلا: ﴿قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ﴾.

قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري وغير واحد: بياض الفضة في صفاء الزجاج والقوارير لا تكون إلا من زجاج، فهذه الأكواب هي من فضة وهي مع هذا شفافة يرى ما في باطنها من ظاهرها، وهذا مما لا نظير له في الدنيا، قال ابن المبارك عن إسماعيل عن رجل عن ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة. رواه ابن أبي حاتم: وقوله تعالى: ﴿قَدَّرُوها تَقْدِيراً﴾ أي على قدر ريهم لا تزيد عنه ولا تنقص بل هي معدة لذلك مقدرة بحسب ري صاحبها، وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح وقتادة وابن أبزى، وعبد الله بن عبيد بن عمير وقتادة والشعبي وابن زيد، وقاله ابن جرير وغير واحد، وهذا أبلغ في الاعتناء والشرف والكرامة، وقال العوفي عن ابن عباس ﴿قَدَّرُوها تَقْدِيراً﴾ قدرت للكف وهكذا قال الربيع بن أنس، وقال الضحاك، على قدر أكف الخادم، وهذا لا ينافي القول الأول فإنها مقدرة في القدر والري.

وقوله تعالى: ﴿وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً﴾ أي ويسقون يعني الأبرار أيضا في هذه الأكواب ﴿كَأْساً﴾ أي خمرا ﴿كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً﴾ فتارة يمزج لهم الشراب بالكافور وهو بارد، وتارة بالزنجبيل وهو حار ليعتدل الأمر، وهؤلاء يمزج لهم من هذا تارة ومن هذا تارة، وأما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صرفا كما قال قتادة وغير واحد: وقد تقدم قوله جل وعلا ﴿عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ﴾ وقال هاهنا: ﴿عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً﴾ أي الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا، وقال عكرمة: اسم عين في الجنة، وقال مجاهد: سميت بذلك لسلاسة سيلها وحدة جريها، وقال قتادة: ﴿عَيْناً فِيها تُسَمّى سَلْسَبِيلاً﴾ عين سلسة مستفيد ماؤها، وحكى ابن جرير عن بعضهم أنها سميت بذلك لسلاستها في الحلق واختار هو أنها تعم ذلك كله وهو كما قال.

وقوله تعالى: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً﴾ أي يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنة ﴿مُخَلَّدُونَ﴾ أي على حالة واحدة مخلدون عليها لا يتغيرون عنها لا تزيد أعمارهم عن تلك السن، ومن فسرهم بأنهم مخرصون في آذانهم الأقرطة فإنما عبر عن المعنى بذلك، لأن الصغير هو الذي يليق له ذلك دون الكبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>